تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقبول تحكيم كتاب الله ورِضانا بحكمه والتِزامنا به، واعتِصامنا به - هو دليل الإيمان، وإلاَّ فهو الكُفْر والنِّفاق؛ ? فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ? [النساء: 65].

والمسلم كذلك لا يتَّخذ قرارًا ولا يجزم رأيًا ولا يعتقِد عقيدةً، ولا يُسارع إلى أمر ولا يستجيب لدعْوة، ولا ينفر إلى عمل، إلاَّ بعد معرفة حكم الله، وعندئذ يحزم أمره على أساس أمْر الله [8] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/21219/#_ftn8#_ftn8).

? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ ? [الحجرات: 1]، هكذا وبكلّ ذلك يكون العمل بالقُرآن حياة واقعيَّة يبَيِّنها ذلك الكتاب، ويقوم منهاجها، ويصحّح مسارها، عندئذ نكون عاملين حقًّا بالقُرآن، منفِّذين فعلاً لأحكامه، مسلمين حقًّا لله.

7 - الاعتِناء بمعاني القرآن الَّتي عاشها الصَّحابة عمليًّا:

إنَّ وقوف القارئ على تعامُل الصحابة مع القرآن، واعتناءَه بالمعاني والإيحاءات الَّتي حصَّلوها من الحياة في ظلال القرآن - يعرِّفه كيف تقْبِل القلوب الطَّاهرة على القُرآن وتتفاعل معه، فيسْعى ليكون واحدًا من هؤلاء.

روى مسلم وأبو داود عن أنَس بن مالك - رضِي الله عنْه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يصلّي نحو بيت المقدس، فنزلت: ? قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ? [البقرة: 144]، فمرَّ رجُل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، قد صلَّوا ركعة، فنادى: ألا إنَّ القبلة قد حوِّلَت، فمالوا كما هم ركوعًا إلى الكعبة.

فهذه الرواية تدلُّنا على نظرة الصَّحابة للتَّوجيهات والتَّكاليف الرَّبَّانيَّة، وعلى قلوبهم المتبوِّئة للإيمان، وهي تتفاعل معها، وعلى الاستِجابة الفوريَّة في التنفيذ والالتزام.

8 - تحرير النصوص القرآنية من قيود الزمان والمكان:

القرآن كتاب الله الخالد، صالِح لكلّ زمان ومكان، ونصوصه تُعْطي توجيهات لكلّ بني الإنسان، ويتفاعل معها المؤمنون، مهْما كان مستواهم المادّيّ والثَّقافي والحضاري، وفي أيَّة بقعة في هذا العالم، وفي أيَّة فترة من فترات التَّاريخ.

أقبل الصَّحابة على نصوصه فعاشوا بها، ولَم يقيِّدوها فيهم أو يقصروها عليهم، وأقبل التَّابعون عليْها فعاشوا بها، وهكذا كلّ طائفة من العلماء، فعلى قارئ القرآن أن ينظُر إلى القرآن بهذا المنظار، ولا يَجوز له أن يقيّد النصوص بحالة من الحالات، أو فترة من الزَّمان، إلاَّ ما كان مقيَّدًا، ولا أن يقصرها على شخص أو قومٍ إلاَّ ما كان مقصورًا عليه.

بل عليه أن يحرّر النصوص من قيود الزَّمان والمكان، والأشخاص والأقوام؛ لتُعطي دلالاتها لكلّ النَّاس، وتطلق إشعاعاتِها لكلّ جيل، وتنشُر أضواءها على العالمين، أمَّا قصْر النصوص على حالة أو فترة، أو شخص أو بلدة أو قرن، فإنَّه سيقيّدها وسيفْرغها من معانيها وأهدافها وتتحوَّل إلى عبارات فارغة، وكأنَّها تتحدَّث عن فترة من التَّاريخ سابقة لأمَّة من النَّاس ماضية.

فمثلاً: قوله تعالى عن الحاكميَّة: ? وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ? [المائدة: 44] خاصٌّ عند هؤلاء ببني إسرائيل، وهذا خطأ؛ لأنَّها تنطبق على كلّ إنسان أينما كان ومهْما كان، رفض حكم الله طائعًا مختارًا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير