تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومرَّ بنا فيما سبق (ص 85) أن ابن جريج المتوفى سنة 150 هجرية له ثلاثة أجزاء كبار فى التفسير رواها عنه محمد بن ثور، فإذا انضم إلى هذا ما نلاحظه من قوة اتصال القرآن بالحياة الإسلامية، وشدة عناية القوم بأخذ الأحاكم وغيرها من آيات القرآن، وحاجاتهم المُلِّحة فى ذلك، نستطيع أن نقول إن الفرَّاء لم يُسبق إلى هذا الاستيفاء والتقصى، بل هو مسبوق بذلك، وإن كنا لا نستطيع أن نُعيِّن مَن سبق إلى هذا العمل على وجه التحقيق، ولو أنه وقع لنا كل ما كتب من التفسير من مبدأ عهد التدوين. لأمكننا أن نُعيِّن المفسِّر الأول الذى دوَّن التفسير على هذا النمط.))

ثم في موضوع آخر يقول عن تفسير الطبري:

((وبعد .. فإن ما جمعه ابن جرير فى كتابه من أقوال المفسِّرين الذين تقدَّموا عليه، وما نقله لنا من مدرسة ابن عباس، ومدرسة ابن مسعود، ومدرسة على بن أبى طالب، ومدرسة أُبَىّ بن كعب، وما استفاده مما جمعه ابن جريج والسدى وابن إسحاق وغيرهم من التفاسير جعلت هذا الكتاب أعظم الكتب المؤلَّفة فى التفسير بالمأثور، كما أن ما جاء فى كتاب من إعراب، وتوجيهات لُغوية، واستنباطات فى نواح متعددة، وترجيح لبعض الأقوال على بعض، كان نقطة التحول فى التفسير، ونواة لما وُجِد بعد من التفسير بالرأى، كما كان مظهراً من مظاهر الروح العلمية السائدة فى هذا العصر الذى يعيش فيه ابن جرير.

وفى الحق إن شخصية ابن جرير الأدبية والعلمية، جعلت تفسيره مرجعاً مهماً من مراجع التفسير بالرواية، فترجيحاته المختلفة تقوم على نظرات أدبية ولُغوية وعلمية قيِّمة، فوق ما جمع فيه من الروايات الأثرية المتكاثرة.

وعلى الإجمال، فخير ما وُصِف به هذا الكتاب ما نقله الداودى عن أبى محمد عبد الله بن أحمد الفرعانى فى تاريخه حيث قال: "فتم من كتبه - يعنى محمد بن جرير - كتاب تفسير القرآن، وجوَّده، وبيَّن فيه أحكامه، وناسخه ومنسوخة، ومشكلة غريبة، ومعانيه، واختلاف أهل التأويل والعلماء فى أحكامه وتأويله، والصحيح لديه من ذلك، وإعراب حروفه، والكلام على الملحدين فيه، والقصص، وأخبار الأُمَّة والقيامة، وغير ذلك مما حواه من الحِكم والعجائب كلمة كلمة، وآية آية، من الاستعاذة، وإلى أبى جاد، فلو ادَّعى عالم أن يُصِّف منه عشرة كتب كل كتاب منها يحتوى على علم مفرد وعجيب مستفيض لفعل".

هذا وقد جاء فى معجم الأدباء (الجزء 18 ص 64 - 65) وصف مسهب لتفسير ابن جرير، جاء فى آخره ما نصه: " ... وذكر فيه من كتب التفاسير المصنَّفة عن ابن عباس خمسة طرق، وعن سعيد بن جبير طريقين، وعن مجاهد بن جبر ثلاثة طرق، وعن الحسن البصرى ثلاثة طرق، وعن عكرمة ثلاثة طرق، وعن الضحاك بن مزاحم طريقين، وعن عبد الله ابن مسعود طريقاً، وتفسير عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وتفسير ابن جريج، وتفسير مقاتل بن حبان، سوى ما فيه من مشهور الحديث عن المفسِّرين وغيرهم، وفيه من المسند حسب حاجته إليه، ولم يتعرض لتفسير غير موثوق به، فإنه لم يُدخل فى كتابه شيئاً عن كتاب محمد بن السائب الكلبى، ولا مقاتل بن سليمان، ولا محمد بن عمر الواقدى، لأنهم عنده أظنَّاء والله أعلم. وكان إذا رجع إلى التاريخ والسير وأخبار العرب حكى عن محمد بن السائب الكلبى، وعن ابنه هشام، وعن محمد بن عمرالواقدى، وغيرهم فيما يُفتقر إليه ولا يُؤخذ إلا عنهم.

وذكر فيه مجموع الكلام والمعانى من كتاب علىّ بن حمزة الكسائى، ومن كتاب يحيى بن زيادة الفرَّاء، ومن كتاب أبى الحسن الأخفش، ومن كتاب أبى علىّ قطرب، وغيرهم مما يقتضيه الكلام عند حاجته إليه، إذ كان هؤلاء هم المتكلمون فى المعانى، وعنهم يؤخذ معانيه وإعرابه، وربما لم يسمهم إذا ذكر شيئاً من كلامهم، وهذا كتاب يشتمل على عشرة آلاف ورقة أو دونها حسب سعة الخط أو ضيقه".

كما نجد فى معجم الأدباء أيضاً قبل ذلك بقليل، ما يدل على أن الطبرى أتم تفسيره هذا فى سبع سنوات، إملاءً على أصحابه، فقد جاء فى الجزء (18 ص 42) على أبى بكر بن بالويه أنه قال: "قال لى أبو بكر محمد بن إسحاق - يعنى ابن خزيمة -: بلغنى أنك كتبت التفسير عن محمد بن جرير؟ قلت: نعم، كتبنا التفسير عنه إملاءً، قال: كله؟ قلت: نعم، قال: فى أى سنة؟ قلت: من سنة ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين ... " إلخ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير