تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا الذي اختاره إمام المفسرين: من أن المراد به: صلب الرجل، وترائب المرأة، وهو موضع القلادة منها، هو الذي اختاره الإمام القرطبي في تفسيره (16/ 343،20/ 5)، والحافظ ابن كثير في تفسيره (8/ 375)، واختاره أيضا: العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، قال:

" اعلم أنه تعالى بين أن ذلك الماء، الذي هو النطفة، منه ما هو خارج من الصلب، أي: وهو ماء الرجل، ومنه ما هو خارج من الترائب، وهو ماء المرأة، وذلك قوله جل وعلا: (فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب) الطارق/5 - 7 لأن المراد بالصلب: صلب الرجل، وهو ظهره، والمراد بالترائب: ترائب المرأة، وهي موضع القلادة منها. ومنه قول امرىء القيس:

مُهَفهَفَةٌ بَيضاءُ غَيرُ مُفاضَةٍ تَرائِبُها مَصقولَةٌ كَالسَجَنجَلِ " انتهى.

أضواء البيان (3/ 194).

واختار ابن القيم رحمه الله أن المراد صلب الرجل وترائبه، قال:

" لا خلاف أن المراد بالصلب صلب الرجل. واختلف في الترائب:

فقيل: المراد به ترائبه أيضا، وهي عظام الصدر، ما بين الترقوة إلى الثندوة.

وقيل: المراد ترائب المرأة.

والأول أظهر:

1 - لأنه سبحانه قال: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) ولم يقل يخرج من الصلب والترائب، فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجا من بين هذين المختلفين، كما قال في اللبن: (يخرج من بين فرث ودم).

2 - وأيضا فإنه سبحانه أخبر أنه خلقه من نطفة في غير موضع، والنطفة هي ماء الرجل. كذلك قال أهل اللغة: قال الجوهري: " والنطفة الماء الصافي قل أو كثر، والنطفة ماء الرجل، والجمع نطف ".

3 - وأيضا فإن الذي يوصف بالدفق والنضح إنما هو ماء الرجل، ولا يقال نضحت المرأة الماء ولا دفقته " انتهى.

"إعلام الموقعين" (1/ 145 - 146).

وهو اختيار الشيخ ابن عاشور، وابن سعدي، وابن عثيمين، كما في "لقاء الباب المفتوح" (رقم/45)، وانظر نحوا من ذلك في "اللقاء الشهري" (رقم/45).

ونقل القرطبي عن الحسن البصري رحمه الله أن: " المعنى: يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل، ومن صلب المرأة وترائب المرأة " انتهى.

تفسير الطبري (20/ 4).

واختار هذا القول الإمام ابنُ جُزي، رحمه الله، في تفسيره. انظر: تفسير التسهيل، لابن جزي (785).

ثانيا:

ثم السؤال الثاني هو أن الحقائق العلمية المكتشفة اليوم تقول بأن مني الرجل يصنع في الخصية التي تحتوي على الخلايا المهيئة لذلك، وليس في منطقة الظهر أو الصدر، فكيف يصف القرآن خروج الماء الدافق بأنه من بين الصلب والترائب؟

والجواب: أن هذا من الإعجاز العلمي لهذا الكتاب العظيم، فقد اكتشف الطب الحديث أن هذا المكان – بين الصلب والترائب - هو مكان نشوء الخلايا الأولى للخصية التي تنزل بعد مرحلة من تخلق الجنين إلى كيس الصفن أسفل البطن.

يقول الدكتور محمد دودح:

" والحقيقة العلمية هي أن الأصول الخلوية للخصية في الذكر أو المبيض في الأنثى تجتمع في ظهر الأبوين خلال نشأتهما الجنينية، ثم تخرج من الظهر من منطقة بين بدايات العمود الفقري وبدايات الضلوع ليهاجر المبيض إلى الحوض بجانب الرحم، وتهاجر الخصية إلى كيس الصفن حيث الحرارة أقل، وإلا فشلت في إنتاج الحيوانات المنوية، وتصبح معرضة للتحول إلى ورم سرطاني إذا لم تُكمل رحلتها.

والتعبير (يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ) يفي بوصف تاريخ نشأة الذرية، ويستوعب كافة الأحداث الدالة على سبق التقدير والاقتدار والإتقان والإحكام في الخلق، منذ تكوين البدايات في الأصلاب وهجرتها خلف أحشاء البطن، ابتداءً من المنطقة بين الصلب والترائب إلى المستقر , وحتى يولد الأبوان ويبلغان ويتزاوجان وتخلق الذرية مما يماثل نطفة ماء في التركيب عديمة البشرية من المني لكنها حية تتدفق ذاتياً لتندمج مع نطفة نظير، فتتكون النطفة الأمشاج من الجنسين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير