ـ[عادل سليمان القطاوي]ــــــــ[30 Jul 2009, 03:44 م]ـ
شكر الله لكم إخواني الكرام ..
ولكني أرى تعسفا في القول، وجنوح للرأي يظهر جليا من بعض الأخوة الذين جزموا بأن الآية يراد بها الدنيا لا يوم القيامة، كما اشار الأخ الشهري إلي مذهبهم ..
ولنستريح جميعا من هذا الجدل الذي صحب الحوار الجاد للمسألة ..
أولا: أن نفصل بين التفسير وبين الرؤى العلمية في مذهب أصحاب الاعجاز العلمي.
ثانيا: أن ننصر التفسير السلفي الذي ينبني على السياق ووردو الآيات - في أكثريتها العامة في القرآن - على المعنى المراد.
ثالثا: أن نتلمس معاني المفردات وتوجيهها توافقا مع الآية التي قبلها وليس ليا لمعناها للتوافق والرأي الآخر.
رابعا: أن الذين قالوا هذا في الدنيا رجحوه تماشيا واثبات ما قيل في الآية من اعجاز علمي ليس الا ..
وبيان ذلك في الآتي:
أنهم اغتروا بلفظة (جامدة) فقالوا أن معناها ثابتة في الأرض!! وبالتالي نفوا حصول هذا في الآخرة ..
ومن السهل جدا أن يقال لهم جامدة وهي في الهواء تسير ككتلة متطايرة .. وهذا قاله الأقدمين كما عند القرطبي في تفسيره قال (13/ 242):
قال القشيرى:
وهذا يوم القيامة، أي هي لكثرتها كأنها جامدة أي واقفة في مرأى العين وإن كانت في أنفسها تسير سير السحاب، والسحاب المتراكم يظن أنها واقفة وهى تسير، أي تمر مر السحاب حتى لا يبقى منها شئ، فقال الله تعالى: " وسيرت الجبال فكانت سرابا "
ويقال: إن الله تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة ترجع كلها إلى تفريغ الارض منها، وإبراز ما كانت تواريه،
فأول الصفات الاندكاك وذلك قبل الزلزلة،
[الثانية] ثم تصير كالعهن المنفوش، وذلك إذا صارت السماء كالمهل، وقد جمع الله بينهما فقال: " يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ".
والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تنقطع بعد أن كانت كالعهن.
والحالة الرابعة أن تنسف لانها مع الاحوال المتقدمة قارة في مواضعها والارض تحتها غير بارزة فتنسف عنها لتبرز، فإذا نسفت فبإرسال الرياح عليها.
والحالة الخامسة أن الرياح ترفعها على وجه الارض فتظهرها شعاعا في الهواء كأنها غبار، فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجسادا جامدة، وهى بالحقيقة مارة إلا أن مرورها من وراء الرياح كأنها مندكة متفتتة.
والحالة السادسة أن تكون سرابا فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا منها كالسراب.
انتهى من القطربي
ومن تتبع هذا الكلام وعلم أحوال الجبال يوم القيامة فسر الآية به .. ليقطع الخلاف الدائر.
وتعلقهم بقوله (صنع الله) ليس لهم فيه متعلق إذ الصنع المراد توجه النظر اليه هو الذي لا يقدر عليه بشر، وأحوال القيامة وما فيها من أهوال وتغير كبير في النظام الكوني لا يكون الا من أعظم الصنعة ..
بل القرآن كثيرا ما يثبت القدرة على الآخرة والقيامة باثبات الصنعة واحكامها ..
وكذا تعلقهم بقوله (تحسبها) ورد الأخ الفاضل عليهم بقوله (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) وهو استدلال صحيح، ومن رد عليه مخطئا استدلاله بالآية لم يصب .. لأن من مراد الآية أن ما تراه العين ساعتئذ غير معهود للخلق لما هم فيه من حيرة وذهول، وبالتالي فالآيتان فيهما نفس المعنى المراد ..
ومن تأمل سياق الآيتين المتتاليتين (ويوم ينفخ في الصور) (وترى الجبال) يجدهما متتاليتان مترابطتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى ..
وليس معنى أن هناك آيات عن الدنيا في هذه المجموعة أن هذه الآية ليست في الآخرة ..
فالترابط بينهما قوي ..
ويوم ينفخ في الصور .. وترى الجبال .. أي في هذا اليوم ..
فمن فصل بين الآيتين فقد فصل بدون وجه حق .. والاعتراضات على أن الآية يوم القيامة اعتراضات عقلية يردها السياق والترابط بين الآيتين ..
وهذا إذا فهمت ألفاظ الآية فهما صحيحا فلا يتخيل معنى (جامدة) أي أنها ثابتة على الأرض بنظرنا لها في الدنيا .. وما نقلناه من القرطبي يبين أحوال الجبال يوم القيامة وأنها تسير سير السحاب وتكون كالعهن المنفوش (أي ككتلة من الصوف) وأنها تنسف نسفا وتتطاير في الهواء الخ
وأمر آخر يبطل القول بأن الآية يراد بها الدنيا:
وهو مرور الجبال حقيقة مر السحاب في الدنيا ..
فهل الجبال تمر بسرعة الرياح التي تحمل السحاب؟
وهل تنتقل الجبال بهذا المرور؟
قد يكون ما جاء في النظريات العلمية من أن ذرات الجبال تتحرك داخليا، صحيحا ..
ولكن إلى أي مدى يظهر لنا تحركها؟ وهل يوازي أو يقرب من تحرك السحاب الذي يطوف من قارة إلى أخرى أو من بلد الى آخر في اليوم الواحد؟
فالأصل أن تفسر الآية بارتباطها مع الآية التي قبلها كوحدة ظاهرة التلاحم والترابط ..
وكذا لا يشوش عليها بنظرية علمية قابلة للقبول والرفض ..
الأمر الأخير: أن اثبات دوران الأرض من هذه الآية غير مراد، وهو صريح وواضح في آيات كثيرة أخرى غير هذه
، فلماذا نلوي معنى هذه الآية ليتوافق والمراد؟
ومن تأمل الخطاب القرآني ساعة نزوله، فهل فهم الصحابة والسلف من هذه الآية أن الناظر الى الجبال - وهو يراها جامدة يقينا - أنها تتحرك وتمر مر السحاب؟
لو كان هذا الفهم مراد من الآية لقال به الصحابة والتابعين ومن تبعهم، إذ لا يخفى المعنى مع ظهوره على من يسمعه ساعتئذ ..
فاذا لم يفهم هذا الجيل هذا المعنى المدعى وصرحوا بخلافه، فهو باطل في نفسه، لأنه من الوضوح بمكان ..
والحمل على المعنيين، قد يكون صحيحا ولكن على أن تفسر الآية بتفسيرها الصحيح الظاهر ثم يقال مثلا:
ويؤخذ من الآية جواز تحرك الجبال في الدنيا أيضا لعدم وجود المانع وإن كان تفسيرها بيوم القيامة هو الصحيح، وكذا يؤخذ منها دوران الأرض لثبوت هذا علميا بالتجربة والبرهان والمشاهدة .. الخ
أما أن الآية تفسر بحصول ذلك في الدنيا والآخرة!! فهذا من الخلط الواضح ..
فالتفسير للآية شيء، وجواز أخذ الفوائد منها شيء آخر ..
والله أعلى وأعلم ..
¥