فهذه الآية سيقت مساق الامتنان على موسى عليه السلام، باصطفاء الله تعالى له، وتخصيصه إياه بتكليمه0 وهذا ما بينه الله تعالى له في الآية التالية حيث يقول: {إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين}.
وتخبرنا الآية الكريمة السابقة أن موسى عليه السلام، لما سمع كلام الله تعالى، أحب أن ينظر إليه- وهذا شأن كل محب مع من يحب- فسأل ربه ذلك بقوله: {رب أرني أنظر إليك}، فأعلمه سبحانه وتعالى بأنه لن يقدر على رؤيته؛ لأن رؤيته جل ثناؤه في الدنيا لا يطيقها أحد من خلقه، بخلاف الآخرة فإن رؤيته تعالى فيها جائزة- خلافًا للمعتزلة- بنص قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} ... ولهذا أمره الله تعالى أن ينظر إلى الجبل؛ ليتحقق من ذلك، فحصل ما حصل، كما أخبرت عنه بقية الآية الكريمة.
ويفهم مما تقدم أن رؤية الله تعالى- للمؤمنين فقط- في الدنيا جائزة عقلاً، كما هي جائزة شرعًا في الآخرة0 ولكنها في الدنيا ممتنعة للسبب الذي ذكره الله تعالى، بدليل أن الجبل لم يطق النظر إلى الله تعالى، لما تجلى له، فكيف يطيقها
الإنسان؟ وكأن الله تعالى قال لموسى: لا تطلب النظر إليَّ، ولكن عليك بطلب آخر؛ وهو أن تنظر إلى الجبل.
ومن أقوى الأدلة على أن رؤية الله تعالى في الدنيا جائزة عقلاً قول موسى عليه السلام: {رب أرني أنظر إليك}؛ لأن موسى عليه السلام لا يخفى عليه الجائز، والمستحيل في حق الله تعالى.
فإذا ثبت أن رؤية الله تعالى في الدنيا جائزة عقلاً، وممتنعة شرعًا، وأن موسى عليه السلام لم يطلب مستحيلاً، فلمَ يؤاخذه الله تعالى على طلب الرؤية، أو يلمه، أو يؤنبه؟
وبهذا ينكشف الإشكال، ويتجلى الأمر لمن أراد الهداية0 وهذا من فضل الله تعالى ومنِّه وتعليمه0 أسأله تعالى أن يكون جوابًا شافيًا0 والحمد لله على منه وفضله.
وفي الختام أود أن أقول لك يا أخ سليمان: إنني لست بشيخ بالمعنى الذي تفهمه أنت، ولست من علماء التفسير0 فما أنا إلا رجل بسيط، وهبني الله تعالى القليل من علمه، وهداني إلى بيان أسرار بعض كلامه، وقد أخطىء، وقد أصيب0 ولهذا لا تأخذ جوابي هذا على أنه الجواب الذي لا جواب غيره00 ولك الشكر على حسن ظنك بي.
والسلام عليك وعلى كل أخ همه طلب العلم والمعرفة بكتاب الله تعالى
...
ـ[سليمان داود]ــــــــ[27 May 2004, 11:33 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
أستاذنا العزيز لايزال في النفس شئ من (قلنا)
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى طه 68
أعتقد أن هذا القول جعل موسى لا يخاف
فانعدم الخوف من قلب موسى بكلمة من الله الذي يقول فيفعل
ويقول كن فيكون
ولهذا لم يعاتبه الله عندما طلب الرؤيه أو النظر الى الله سبحانه
لكن الله أدبه فجعل الجبل دكا" وصعق موسى ثم أحياه الله واستغفر موسى وتاب وقال أنا أول المؤمنين
وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِين
وقد أجابني الأستاذ محمد اسماعيل عتوك بالجواب التالي
َ
الأخ
سليمان! السلام عليك ورحمة الله وبركاته00 وبعد0
لا
يكون شيء إلا بإرادة الله تعالى ومشيئته، ولا يفعل أحد فعلاً إلا بإذنه
سبحانه0 وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان0
وأما
عن سؤال موسى ربه النظر إلى وجهه الكريم فقد أجبتك عنه جوابًا شافيًا بعون
الله
وتعليمه0 وقد ذكرت لك أن رؤية الله تعالى في الدنيا جائزة عقلاً0 ولكنها
ممتنعة
شرعًا، خلافًا لرؤيته سبحانه في الآخرة0
وقد
ثبت أيضًا بقوله تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} أن رؤيته سبحانه
وتعالى
في الدنيا جائزة عقلاً؛ لأن الجبل، لما رأى الله تعالى، اندكَّت أجزاؤه0
ولكونها
جائزة عقلاً سألها موسى عليه السلام0 ولكونها ممتنعة شرعًا قال الله
تعالى
له: {لن تراني}، فجاء بفعل الرؤية منفيًا بـ (لن) 0 ولو جاء به منفيًا
بـ (
لا)، لدل على أن رؤيته سبحانه لا تجوز شرعًا، لا في الدنيا، ولا في
الآخرة0
وهذه دقيقة ينبغي أن يتنبه إليها كل من يدرس اللغة العربية، ويتعاطى
علم
التفسير0
ولكون
رؤية الله تعالى في الدنيا لا
تجوز شرعًا، وسألها موسى- عليه السلام-
بدون
إذن من الله تعالى، كان ما كان، وحصل ما حصل0
وأما
قوله: {سبحانك تبت إليك} فمعناه: تبت إليك من سؤال الرؤية بغير إذنك0
وأما
قوله: {وأنا أول المؤمنين} فمعناه: أنا أول المؤمنين بأنك لا ترى في
الدنيا0
أو: أنا أول المؤمنين بأنه لا يجوز السؤال منك إلا بإذنك0
{رب
أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحًا ترضاه
وأدخلني}
برحمتك في عبادك الصالحين
{لا
إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}
والحمد
لله رب العالمين!
¥