تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وما ثبت في صحيح مسلم من حديث بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم).

ويبقى هاهنا تنبيه:

وهو أن هذا الإقرار بالجزية تحت حكم الإسلام إنما هو حكم مؤقت إلى نزول المسيح عليه السلام، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، وحتى تكون السجدة الواحدة خيرا له من الدنيا وما فيها) وفي رواية (يقاتل الناس على الإسلام).

وعلى ذلك فيكون الإكراه على الدخول في الإسلام ذلك الوقت على جميع الكفار، فلا يقبل منهم إلا الإسلام، أو السيف.

الوجه الرابع: مما سبق يظهر أن هذه الآية ليست على ظاهرها بإجماع المسلمين سواء قيل بنسخها أو لا، ولم يستدل بها أحد من علماء الإسلام على ترك الإكراه على الدين بإطلاق، ولم يستدل بها أحد على ترك الإلزام بأحكام أهل الذمة لمن أقر منهم في بلاد الإسلام بالجزية، وقد ذكر في معنى الآية نحواً من ستة أقوال، و ليس فيها قول واحد أخذ بظاهرها في جميع الكفار، وقد قال ابن جرير رحمه الله تعالى بعد أن ذكر الأقوال في الآية:

"وأولى هذه الأقوال بالصواب: قول من قال: نزلت هذه الآية في خاص من الناس، وقال: عنى بقوله تعالى ذكره (لا إكراه في الدين) أهل الكتابين والمجوس وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق وأخذ الجزية منه، وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخا، وإنما قلنا: هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب؛ لما قد دللنا عليه في كتابنا (كتاب اللطيف من البيان عن أصول الأحكام): من أن الناسخ غير كائن ناسخاً إلا ما نفى حكم المنسوخ فلم يجز اجتماعهما، فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي وباطنه الخصوص فهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل، وإذ كان ذلك كذلك، وكان غير مستحيل أن يقال لا إكراه لأحد ممن أخذت منه الجزية في الدين، ولم يكن في الآية دليل على أن تأويلها بخلاف ذلك، وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوماً فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر، ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه وإقراره على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم، كان بينّاً بذلك أن معنى قوله (لا إكراه في الدين) إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية ورضاه بحكم الإسلام".

وقال ابن حزم رحمه الله عن هذه الآية:

"لم يختلف أحد من الأمة كلها في أن هذه الآية ليست على ظاهرها؛ لأن الأمة مجمعة على إكراه المرتد عن دينه ".

الوجه الخامس: قولهم في البيان (إن الإسلام نفسه لا يصح مع الإكراه) لا يصح على إطلاقه كما سبق:

فإسلام المرتد والوثني من العرب يصح منه بالإجماع، والكافر غير الكتابي والمجوسي يصح منه عند الجمهور.

قال ابن رجب رحمه الله:

" وأما الإكراه بحق: فهو غير مانع من لزوم ما أكره عليه، فلو أكره الحربي على الإسلام فأسلم، صح إسلامه ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير