تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

23 - وتقديم ضميره صلى الله عليه وسلم – أي: ((فَأَنتَ)) – على الفعلين على أن مثلك خصوصاً لا ينبغي أن يتصدى للمستغني، ويتشاغل عن الفقير الطالب لحق (17).

تنبيه:

فرق ظاهر بين اشتغال النبي صلى الله عليه وسلم بهداية المعرض عن هداية المقبل؛ وبين تشاغله بفضول المباح عن واجب التبليغ، فالأول اشتغال مخل بالكمال؛ لعدم مراعاة الأولوية فيه، والثاني تشاغل مخل بالأصل؛ فكان فعل النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل الأول (18) فتأمل.

فوائد دعوية:

الأولى: قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله تعالى – في "تيسير الكريم" (7/ 568):

وهذه فائدة كبيرة هي المقصودة من بعثة الرسل، ووعظ الوعاظ، وتذكير المذكرين، فإقبالك على من جاء بنفسه، مفتقراً لذلك، مقبلاً، هو الأليق الواجب؛ وأما تصديك وتعرضك للغني المستغني، الذي لا يسأل، ولا يستغني لعدم رغبته في الخير، مع تركك من هو أهم منه؛ فإنه لا ينبغي لك؛ فإنه ليس عليك أن لا يزكى فلو لم يتزكَّ فلست بمحاسب على ما عمله من اشر.

فدل هذا على القاعدة المشهور، أنه: "لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة".

وأن ينبغي لطالب العلم المفتقر إليه، الحريص عليه، أزيد من غيره" أ. هـ

الثانية: إذا كان المدعو صاحب حكمة – أي: أنه من أهل الحق قائم به –؛ فهذا يقدم على غيره في التزكية والتذكر؛ لأنه جدير بالرعاية، ومصلحته راجحة على مصلحة غيره.

الثالثة: قال ابن حزم – رحمه الله تعالى – في "الفصل": "وأما قوله: ((عَبَسَ وَتَوَلَّى)) – الآيات –، فإنه كان – عليه السلام – قد جلس إليه عظيم من عظماء قريش، ورجا إسلامه، وعلم – عليه السلام – أنه لو أسلم لأسلم بإسلامه ناس كثير وأظهر الدين، وعلم أن هذا الأعمى الذي يسأله عن أشياء من أمور الدين لا يفوته وهو حاضر معه؛ فاشتغل عنه – عليه السلام – بما يخاف فوته، وهذا غاية النظر في الدين والاجتهاد في نصرة القرآن – في ظاهر الأمر – ونهاية التقرب إلى الله الذي لو فعله اليوم منا فاعل لأجر فعاتبه الله – عز وجل – على ذلك، إذ كان الأولى عند الله تعالى أن يُقبل على ذلك الأعمى الفاضل البر التقي، وهذا نفس ما قلناه ".

الرابعة: قال ابن عاشور: "بل شأنُ مقوّم الأخلاق أن يكون بمثابة الطبيب بالنسبة إلى الطبائع والأمزجة؛ فلا يجعل لجميع الأمزجة علاجاً واحداً، بل الأمر يختلف؛ فهو مخاطب بالحفاظ على مصالح المجموع ومصالح الآحاد؛ بحيث لا يدحض مصالح الآحاد لأجل مصالح المجموع؛ إلا إذا تعذر الجمع بين الصالح العام والصالح الخاص (19) " أ. هـ

أهم ما أرشدت إليه الآيات:

1 - إن الساعي ابن أم مكتوم – رضي الله عنه – كان قاصداً سبيل الرشاد، وهي الهداية للإيمان والأعمال الصالحة.

2 - إن علة التولي ليست لذات مجيء الأعمى، إنما لمجيئه عند انشغال النبي صلى الله عليه وسلم بهداية المعارض.

3 - إن عتاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عتاب تلطف ولين، وليس عتاب شدة وصعوبة.

4 - أن الساعي ذُكر بلقب يكرهه الناس، مع أن منتهى معان الآيات تفيد مدحه والثناء عليه.

5 - كان ابن أم مكتوم كفيف البصر، لكنه وقّاد البصيرة؛ أبصر الحق وآمن به وجاء مع عماه يسعى طالباً المزيد.

6 - لا يجوز الإعراض عمن يرجى تزكيته، فكيف والحال لمن كان مقطوعاً بتزكيته؟!

7 - تقديم التزكية على التذكر من باب تقديم التخلية على التحلية.

8 - التزكية متضمنة لتحصيل الخير ودفع الشر، أي: هي معنى زائد على قدر التطهر من الذنوب فقط.

9 - الإيمان والقرآن غذاء القلب المتزكي، والتزكي عام لكل من آمن بالرسول، أما التذكر فهو مختص لمن له علوم يذكرها.

10 - طريق الرشاد المتضمن التزكية والتذمر مسلّم للرسل، فلا يتحصل إلا من طريقهم تعليماً وبياناً ودعوة وإرشاداً.

11 - إن العبد إذا أناب إلى الله تعالى أبصر مواقع الآيات والعبر؛ فزال عنه الإعراض والعمى والغفلة.

12 - بحسب قوة الإنابة والتذكر تشتد حاجة العبد إلى معرفة الأمر والنهي.

13 - المنيب المتذكر هو من أهل الحكمة؛ فيجب أن يقدم على غيره في خطاب التزكي والتذكر.

14 - الساعي إلى سبيل الرشاد – وبعد أن يظفر بالدليل الهادي المفصل – يحتاج إلى أن يهتدي به وينتفع منه، وهذا لا يحصل إلا بإزالة الأسباب المعوقة لذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير