تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذلك على سبيل الإيضاح أو التأنق في التعبير والتفنن في القول، فتجري كلمة مجاز على مجموعة من المعاني اصطلح البلاغيون من بعد على إدراجها تحت تعريفات خاصة في علم البلاغة، ومن هذه التعريفات ما نشأ أو قوي في ظل القرآن والدراسات القرآنية الأولى ومنها هذا الكتاب. ومنها:

(أ) التقديم والتأخير: يذكره أبو عبيدة في المقدمة، فيقول: ومن مجاز المقدم والمؤخر، قوله تعالى: (فَإِذا أَنْزَلْنَا عَلَيْها المَاءَ اهتزَّتْ وَرَبتْ ([فصلت: 41/ 38] أراد ربت واهتزت، و قوله تعالى: (لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ([النور: 24/ 40] لم يرها ولم يكد.

(ب) التشبيه، وأول ما ترد هذه الكلمة على لسان أبي عبيدة في كتاب المجاز، عند شرحه لقوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ([البقرة: 2/ 223] كناية وتشبيه.

(ج) التمثيل، وهو يعني عنده هنا التشبيه، أو تشبيه التمثيل، قال في تفسير قوله تعالى:

(على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ (مجاز هائر. ومجاز الآية: (أَفَمَنْ أَسِّسَ عَلَى تَقْوى من اللهِ وَرِضْوانٍ خَيرٌ مَنْ أُسَّسَ بُنْيَانَهُ على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ([التوبة: 9/ 109]. مجاز تمثيل لأن ما بناه على التقوى أثبت أساساً من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق، وهو على شفا جرف وهو ما يجرف من سيول الأودية، فلا يثبت البناء عليه (6).

ويجدر بنا أن ننبه إلى معرفة أبي عبيدة بالتشبيه والتمثيل لونين من ألوان التعبير، ولم يهتم في الآية بكلمة هائر وحدها بل اهتم بالصورة البيانية بتمامها. وفهمه للصورة البيانية بوجه عام لا يتعدى الفهم اللغوي، فهو يتعرض لكل الفنون البيانية المتعلقة بالأسلوب، ويعتبرها من المجاز اللغوي.

(د) الاستعارة: يطلق كلمة مجاز على معنى الاستعارة، مثل قوله في تفسير قوله تعالى:

(وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ([الأنفال: 8/ 11] مجازه يفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم فيثبتون لعدوهم. وفي قوله تعالى: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى ([الأنفال: 8/ 17] مجازه ما ظفرت، ولا أصبت ولكن الله أظفرك وأصاب بك ونصرك.

وكثير من الاستعارات والتشبيهات في القرآن تدخل نطاق الحرج لأنها تتعلق بالذات أو العقيدة، أو بصورة البعث. وموقف أبي عبيدة من هذه جميعاً موقف اللغويين، يأخذ بظاهر القول إلى أمد محدود غايته المعنى المجازي القريب، وهو المذهب الذي عرفوا به ولامهم عليه المعتزلة، ولكنه قد يعمد أحياناً إلى التحلل من التشبيه، ويدور حول بعض عبارات القرآن حتى لا تدخله في دائرة الحرج أو التجسيم، فيفسر قوله تعالى: (يَدُ الله مغلولةٌ) بقوله: أي خير الله.

(هـ) الكناية: ينص على الكناية في أكثر من موضع، والفعل كنى يستعمله بمعناه اللغوي أي أخفى أو أضمر، واستعماله للكلمة في الدلالة على فن من فنون الأسلوب، قريب من استعمال البلاغيين للدلالة على الاصطلاح البلاغي المعروف (الكناية). مثل قوله في الآية: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ([البقرة: 2/ 223] كناية وتشبيه، وفي قوله: (أَوْ عَلَىْ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِط ([النساء: 4/ 43] كناية عن إظهار لفظ قضاء الحاجة من البطن، وكذلك قوله تبارك وتعالى: (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّساءَ ([النساء: 4/ 43] كناية عن الغشيان، وكذلك -سوءاتهما- كناية عن فروجهما، وهذه كلها قريبة من الاستعمال البلاغي.

ويتعرض أبو عبيدة لنكت عامة في الأسلوب تأتي عرضاً في تفسيره، فيعرض للإيجاز والإطناب، ويشير إلى ما في بعض الآيات من الحذف، وما فيها من الزيادة، ومن الفنون البلاغية الأخرى التي التفت إليها، واعتبرها من المجاز (الالتفات) ويذكره في المقدمة. فيقول: ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد ثم تركت وحولت هذه إلى مخاطبة الغائب، قوله تعالى: (حتى إِذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ ([يونس: 10/ 22] أي بكم. والأمثلة على ذلك كثيرة في كتاب مجاز القرآن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير