الهداية السداد في الدنيا والآخرة.
نص الرد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين:
وبعد؛ فلقد قدر لهذا التعقيب أن يتأخر نحوا من شهرين، أو يزيد، ومع أن نشر الموضوع كان سابقا لهذا التاريخ، فلم يقدر لي الاطلاع على ذلك الموضوع إلا في شهر شعبان الماضي، بل لم أكن أعلم أن أحدا ذكرني، أو ذكر بحثي، بشيء من الرد أو التعقيب.
وقد كنت حين الاطلاع على الموضوع على سفر يحول دون قراءتي المتأنية له، بَلْهَ التفرغ لمناقشته والرد عليه. ثم بعدها دخل شهر رمضان، ثم دخل التسويف، والأشغال، حتى عاد أخي الذي أطلعني عليه، يقتضيني التعقيب الذي وعدته به.
وها أنا قد عدت أصبر نفسي على قراءة تعليق الرجل، بكل ما فيه ... ، وأكتب هذه العجالة في نقد أهم ما ذكره في كلمته، من غير أن أستقصي ما يقتضيه المقام من البحث معه في كل ما أثاره من مسائل وشبهات، وذلك أن الرجل قد زعم أن لديه بحثا مطولا حول عقيدة الإمام الطبري، وهنا كان من المناسب أن أرجئ تفاصيل الكلام، إلى حين مراجعة ما يذكر الرجل في بحثه المطول، والنظر في قراءته لاعتقاد الإمام الطبري.
فاسمح لي ـ أبا عبيدة ـ وأنا أستأذن القراء والمشرفين في الالتفات من ضمير الغيبة، إلى ضمير الخطاب في نقاش الرجل، فأنا أظن الرجل يسمع، ويبصر، ويحسن أن يقرأ كلامي من غير واسطة؛ فأقول:
اسمح لي أبا عبيدة أن أبدأ حواري معك بلفتة يسيرة، دعاني إليها عرضك، ولغتك في الخطاب، وتعقيبك على الآخرين ... ، مما سيأتي التعليق على بعضه، وأرعني سمعك، وأسلس لي أذنك، من غير قِماص ولا حِران، أصلحك الله، ولا تخشَ على أذنك عرْكا، ولا صَلْما!! فإلى الآن ما حمي الوطيس؛ فقط أريد أن أسر إليك شيئا:
لقد ذكرتني بلغتك المتعالية الباردة، بحوار دار بين أبي حيان التوحيدي، وأستاذه مسكويه؛ يسأل التوحيديَُ أستاذه مسائل، ويظن أنه قد ضيق عليه فيها، وشدد عليه السؤال، فقال له أبو علي مسكويه، قبل أن يجيبه عن مسائله:
(وقد عرض لك بها عارض من العُجْب، وسانح من التيه؛ فخَطَرْت خَطَران الفحل [أن يرفع ذنبه مرة، ويخفضه مرة، عند صولته ونشاطه من شبع، أو سمن]، ومشيت العِرَضْنَة [كناية عن الخيلاء والعجب في المشي]، ومررت في خيلائك، ومضيت على غلوائك، حتى أشفقت أن تعثر في فضل خطابك!! ...
ارفق بنا يا أبا حيان - رفق الله بك - وأَرْخِ من خِناقنا، وأَسِغْنا ريقَنا، ودعنا وما نعرفه في أنفسنا من النقص، فإنه عظيم ... ولا تُبَكِّتنا بجهل ما علمناه، وفَوْت ما أدركناه، فتبعثَنا على تعظيم أنفسنا، وتمنعنا من طلب ما فاتنا؛ فإنك - والله - تأثم في أمرنا، وتقبح فينا!!).
[الهوامل والشوامل، للتوحيدي (26 - 27)].
فليت شعري؛ من غرك من نفسك يا هذا، وأوهمك أنك بكل هذا البحث والتحقيق، حتى أتيت بما لم يستطعه الأوائل، وأنك فاتق البحث عن ابن جرير، والذاب عن حياضه، والراد على من خطأه؛ بل من قال لك: إنك تفهم في علم الكلام شيئا، حتى رحت تتوعد من يخالفك بالويل والثبور، وعظائم الأمور؟!!
دعنا نبدأ ـ إذا ـ أبا عبيدة الهاني في مناقشة كلماتك، وتفكيك شبهاتك؛ لكن قبل ذلك أذكرك بما اتهمت به صاحبك، إن سمحت لي بهذا الشرف، من أن دراسته: واحدة من (محاولات فاشلة تستند إلى التعتيم وإخفاء جملة من حقائق عقيدة ذاك الإمام لصفه في جانب فرقة دون أخرى)!!
ودعني أذكرك مرة أخرى بما رميت به صاحبك، ولا أدري هل كنت سمحت لي بعد استماحتك الأولى، أو لا؟! ـ من أنه قام بتقديم شخصية الطبري: (في شكل مغالط لضمها في جانبهم، وإن اقتضى ذلك الخروج عن الموضوعية العلمية وطرح القضايا بشكل مزيف أو تحريف الأفكار عن مسار اختيار صاحبها أصلا ... )
و (لما فيها من النقص الواضح في دراسة كثير من آراء الإمام الطبري الكلامية، وتقديم البعض الآخر بصورة مغلوطة لخدمة غرض مذهبي لا أكثر ولا أقل)!!
شكرا لك على تقييمك، ولعلنا نعود إليه، إذا انتهينا من مناقشة أفكارك العلمية في موضوعك، وهو المقصود الأهم هنا!!
ولنبدأ يا صاحبي، بالمسألة المنهجية التي ادعيتها، وهولت بها، وهي قولك:
¥