لكني أستأذنك هنيهة يا صاحبي، لألتفت إلى قرائنا الكرام: فأقول إن بحث صاحبكم عن الطبري منشور، وموجود على الشبكة، في المكتبة الوقفية بعنوانه الأصلي: (آراء الطبري الكلامية) وفي أماكن أخرى ـ فيما أظن ـ باسم (أصول الدين عند الإمام الطبري)، وأنا أناشد ـ بإلحاح ـ كل منصف، طالب للحق، راغب فيه، أن يراجع ما كتبته (ص49) وما بعدها، ليرى أين تكون الأمانة، وأين إضاعتها، وليتذكر قول عبد الرحمن بن مهدي، الإمام الجليل الكبير، عليه رحمة الله: أهل العلم يكتبون ما لهم و ما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم!!
أرأيت، أبا عبيدة، كيف كان الأولى بك أن تتعلم الأمانة، قبل أن تنعاها على غيرك؟!
لكن يبدو أنك ما تعلمت بعدُ أصولَ الهِناء، وأنت (هاني)!!
فـ (ليس الهِنَاءُ بالدَّسِّ) يا صاحبي!! [يُضرب مثلاً للذي لا يُبالِغ في إِحكامِ الأَمْرِ، ولا يَسْتَوثِقُ منه، ويَرْضَى باليَسِير منه]!!
فإن كنت ـ يا صاحبي ـ تريد علما: أرشدناك!!
وإن كان بك داءٌ: هنَأْناك، ورقيناك!!
وإن كنت تريد مسخرة: مسخرناك!!
وإن كنت تطلب أدبا، فما لنا ولذاك؛ نحن هنا ... وأنت هناك؛ فانشد أباك!!
أبا عبيدة، اسمح لنا بوقفة أخرى، كنت أنوي تأخيرها قليلا، لكن ساقنا إليها نص الطبري المطول الذي نقلناه، فسوف نحتاج إليه هنا، اسمح لنا بوقفة مع إحدى سوآتك التي أُشرِبَتها من هواك، ثم رحت تنحلها الإمام أبا جعفر ابن جرير، وهو منها براء!!
قال (الهاني):
(وماذا لو يعلم البعض أن الطبري يقول باستحالة اتصاف الله تعالى بصفات حادثة، وبأن تسلسل الحوادث بلا أول، في جانب الأزل، أمر مستحيل باطل، وبأن الله تعالى لم يزل قادرا في الأزل مع عدم العالم، وغير ذلك مما تنبني عليه أصول وأصول، كأن [كذا] ما لزمه الحوادث ـ أجناسا أو أفرادا ـ فهو حادثٌ)، انتهى كلامه أصلحه الله.
أبا عبيدة:
أما زلت عند قولك؟! أما زلت مصرا على هذه الكذبة الصلعاء؟!
حسنا أبا عبيدة، إن كنت قد عدت إلى رشدك، فدعني أحدث غيرك، ممن لعله صدقها، شفقة عليك أن تبوء بإثم الكاذبين؛ وإلا: فإياك أعني، واسمعي يا جاره!!
أبا عبيدة، لا بد أنك قد انتبهت إلى أن الإمام الطبري قد أثبت فيما نقلناه صفات النزول، والهبوط، والضحك .. ، وهذا هو جنس الصفات التي تسمونها صفات حادثة، وتلبسون بها على من لا يدري مرماكم، ثم تنفونها عن الله جل جلاله، لأجل تسميتكم هذه!!
فإن كانت الغفلة قد أخذتك عن ذلك، كما قد غططت في سباتك مرارا وأنت تقرأ لأبي جعفر؛ فارجع إلى نص الكلام فهو مثبت أمامك يا صاحبي، وليكن منك على بال، ثم صله بقوله بعده مباشرة:
(فمن أنكر شيئا مما قلنا من ذلك، قلنا له:
إن الله تعالى ذكره يقول في كتابه: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)، وقال: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ)، وقال: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ)؛ فهل أنت مصدق بهذه الأخبار، أم أنت مكذب بها؟!
فإن زعم أنه بها مكذب: سقطت المناظرة بيننا وبينه من هذا الوجه.
وإن زعم أنه بها مصدق، قيل له: فما أنكرت من الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: يهبط إلى السماء الدنيا، فينزل إليها؟!
فإن قال: أنكرت ذلك أن الهبوط نُقْلة، وأنه لا يجوز عليه الانتقال من مكان إلى مكان؛ لأن ذلك من صفات الأجسام المخلوقة.
قيل له: فقد قال جل ثناؤه: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)؛ فهل يجوز عليه المجيء؟
فإن قال: لا يجوز عليه ذلك، وإنما معنى هذا القول: وجاء أمر ربك؛
قيل له: قد أخبرنا تبارك وتعالى أنه يجيء هو والملك؛ فزعمت أنه يجيء أمره، لا هو؛ فكذلك تقول: إن الملك لا يجيء، إنما يجيء أمر الملك؛ كما كان معنى مجيء الرب تبارك وتعالى: مجيء أمره؟!
فإن قال: لا أقول ذلك في الملك، ولكني أقول ذلك في الرب؛
¥