فمعلوم عند كل من له حظ في فهم الأدلة العقلية على وجود الله تعالى، أن من أركان هذا الدليل أن كل ما لا يخلو من الصفات الحادثة ـ بحيث يلازمها، ولا يعقل منفكا عنها ـ لا يعقل موجودا بدونها أو قبلها، ولما كانت هي حادثة يكون هو بالضرورة حادثا، وكل حادث مفتقر ضرورة إلى محدِث واحد غيره وهو الله تعالى.
وهذا ما أراد الإمام الطبري بيانه وأقام البرهان عليه، فنص على أن (ما لم يخل من الحدَث، لا شك أنه حادِث) أي: محدَث.
وهذا البرهان العقلي معروف، وقد توصل إليه الإمام الطبري بعد النظر في الايات القرآنية والآيات الكونية والنفسية، وبنى عليه أصول الدين، بل اعتبره دالا على معرفة الله تعالى قبل بلوغ رسالة الأنبياء، واعتبر الجهل به جهلا بالله، محاسب [كذا] صاحبه عليه.
فكيف يسوغ للطالب القول بعد هذا بأن الطبري لا يُعنَى عند هذه النقطة بالتدليل على أن ما لم يخل من الحوادث أو يسبقها فإنه محدَث؟ مع أن الإمام الطبري ينص نصا صريحا، واضحا أن ما لم يخل من الحدث محدَثٌ؟ فهذا قلب تام لنتيجة الإمام الطبري التي صرّح بها.
بل كيف يتجرأ الطالب ويقول بعد هذا: (وإنما غاية ما نجده ثَمَّ أن يقرر أنه محال أن يكون شيء يُحدِث شيئا إلا ومحدِثُه قَبلَه).
فكيف فهم هذا الكلام المتناقض من ألفاظ الإمام الطبري؟
بل إذا طبقنا كلامه لزم القول بأن الله تعالى له محدِثٌ قبله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؛ فإن الطالب قرر استحالة أن يكون شيءٌ يحدِث شيئا إلا ومحدِثهُ قبلَه؛ فعلى هذا يكون قبل الله تعالى محدِثٌ، لأنه داخل ـ حسب ألفاظ الطالب ـ في هذه الكلية، وهي أن كل من يحدِثُ شيئا، فمحدِثُه قبله، ومعلوم أن الله محدِثٌ للأشياء، فيكون قبله محدِثٌ حسب كلام الطالب، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وهذا ليس بمقصد الإمام الطبري والعياذ بالله، ولا دل عليه كلامه بأي نوع من أنواع الدلالات، بل ليس في كلام الإمام الطبري إلا البرهان على افتقار كل ما لازم الحوادث إلى محدِث واحد وهو الله تعالى الغني على الإطلاق، الذي يستحيل أن يتصف بالصفات الحادثة كما هو الحال بالنسبة إلى مخلوقاته.
فكيف يمر هذا الكلام؟ وما السبب في ذلك؟ وأين الإشراف والمراقبة للمسائلة ... ) الخ،
شكرا لك يا هذا على مقامتك (الولولية)!!
أتدري يا أبا لُمَيعة، أين يصلح تهويلك وتدليلك الذي ذكرته هنا، فأفزعت به من كان يظنك تفهم شيئا من القراء؟!
إنك تحتاج إلى أن تعقد حضرة سرمدية، شطحية، ملوخية .... ،
فكلما زعقت بزعقة فيها: (أدلة الحدوث)،
صاحت بطانة المساطيل من حولك: دوووس .. دووس .. دوس!!
فإذا صحت: الكونية!!
هب القوم من ورائك: كونية .. وَنية ... نية!!
وإذا قلت: النفسية!!
تواجد القوم، وانتهى بهم الحال: فسية، فسية، فسية، ....
فإذا نزلت إليهم من مقامك، حفتك حاشيتك من (الزُّط) و (الغُتْم) بالمطارف، والملاحف (لكي لا يصيبك شيء من برد أو زكام)، وحملوك على الأعواد، كما يفعل الهنود الحمر والصفر .. ، مع (المهراجا)، وذهبوا بك إلى: حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَمِ!!
وكلما وَنَى السائرون، وَكَلَّ الحاملون، صحت بهم وأنت على محملك، من فوق رؤوسهم: الآيات، الكونية، النفسية، فهملج الزُّط من تحتك كالبراذين، لا يجدون ساعتها لثقل دمك، وبرود حالك، على أكتافهم وقعا ولا أذى!!
سُكْرانِ: سُكْرُ هوىً، وسُكر (ضلالةٍ) * ومتى إفاقَةُ مَنْ بِهِ سُكرانِ
يا هذا، دعني أبحث معك، وأناقش ما ذكرته هنا، وأسأل الله أن يرزقني الصبر حتى أفرغ منك:
أولا: ادعيت أن ما لا يخلو من الحوادث، (يكون هو بالضرورة حادثا)، ثم زعمت أن هذا البرهان العقلي معروف، وقد توصل إليه الإمام الطبري بعد النظر في الآيات ... ؛ وهذا تناقض بيِّنٌ في كلامك، فالعلم الضروري شيء، والعلم النظري شيء، ولو كان النظر في الآيات .. ، فهو أيضا علم نظري، وهذا أمر (معلوم عند كل من له حظ في فهم الأدلة العقلية)، على حد قولك، وراجع ما شئت من كتب المنطق، أو المقدمات الكلامية، والأصولية.
¥