ثانيا: أما قولك أيها (المهراجا): (إذا طبقنا كلامه لزم القول بأن الله تعالى له محدِثٌ قبله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؛ فإن الطالب قرر استحالة أن يكون شيءٌ يحدِث شيئا إلا ومحدِثهُ قبلَه، فعلى هذا يكون قبل الله تعالى محدِثٌ .. )، فلا ينقضي عجبي منه أيها الأغتم الضِّلِّيل!!
فبأي وجه من وجوه الدلالات العربية، أو الهندية، أو الزُّطية، لزم هذا من كلامي؟!
اذكر قضية سالبة أو موجبة، قياسا برهانيا، أو جدليا، أو مغالطيا، أدى بك إلى هذه النتيجة، أنه يلزم من كلامي، الذي ادعيت كذبا أني قلته، أن يكون قبل الله محدث، تعالى الله عن قولك وبهتانك، وأنا زعيم بمائة قضية وقضية صحيحة برهانية، على أنك كاذب دجال!!
إن القضية البرهانية الصحيحة تقول:
1 - (أبو عبيدة الدجال) يدعي أنني قررت استحالة أن يكون شيء ... ، وألزمني ...
2 - أنا لم أقرر ذلك، وكتابي موجود، وليس بيني وبينه إسناد متصل، ولا منفصل، ينقل عني به،
3 - النتيجة الحتمية: (أبو .. الهاني) كذاب!!
وقضية أخرى صحية تقول:
1 - الطبري قرر استحالة أن يكون شيءٌ يحدِث شيئا إلا ومحدِثهُ قبلَه،
2 - أبو عبيدة يلزمني أن يكون قبل الله تعالى محدِثٌ، لأنني قررت ـ بزعمه ـ استحالة .. ،
3 - النتيجة: أبو لميعة يلزم الطبري ـ لأنه هو القائل الحقيقي ـ أن يكون لله ـ تعالى عن إفكه ـ محدث له!!
لو كنت ألزمتني، أبا لميعة الثاني، أن أقول بقدم العالم، بأي معنى من معاني القدم، لقلت الرجل: جاهل يتكايس، أو عاقل يتخابث!!
أما وقد ذكرت ما ذكرت من اللازم الباطل، لمقدمة كاذبة؛ فلا عقل، ولا نقل؛ ويكفيني هذا منك، فقد كفيتني مؤنة نفسك:
ما يبلغُ الأعداءُ من جاهلٍ ... ما يبلغُ الجاهلُ من نفسِه
لقد ذكرتني أبا لميعة، بالقصة المروية في حوار دار بين عمرو بن العاص، رضي الله عنه
، لما أراد مسيلمة الكذاب أن يعارض سورة العصر، فقال لعمرو بن العاص:
وقد أنزل علي مثلها!!
فقال له عمرو: وما هو؟
فقال: يا وَبْر يا وَبْر، إنما أنت أذنان وصَدْر، وسائرك حفر نَقْر.
ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟
فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب!!
[انظر: تفسير ابن كثير (8/ 479)، سير أعلام النبلاء (3/ 69)، وحواشي المحققين].
ثالثا: عدنا، أبا لمعة الثاني، إلى بدائعك، في كلامك، فإذا بك وقد أردفت ذلك بوصلة أخرى (مهراجية)، تقول: (وهذا البرهان العقلي معروف، وقد توصل إليه الإمام الطبري .... ، واعتبر الجهل به جهلا بالله، محاسب [كذا] صاحبه عليه.).
إلى متى أعظك في الكذب يا هذا؟! يا هذا، أما تحسن أن تصدق ـ هنا ـ مرة؟!
قال الأصمعي: قيل لرجل معروف بالكذب. هل صدَقَت؟
قال: أخاف أن أقول: لا، فأَصْدُق!! [نهاية الأرب، للنويري (3/ 363)].
أتحداك أن تنقل نصا واحدا من أي كتاب من كتب الطبري، مخطوطا كان أو مطبوعا، موجودا أو مفقودا ينسبه إليه أحد من أهل العلم، أتحداك أن تنقل هذا النص الذي يقرر فيه ابن جرير أن الجهل بهذا البرهان جهل بالله تعالى، أو أن الجهل بالدليل المعين، أيا كان هذا الدليل، هو جهل بالمدلول!!
ودون ذلك ـ يا صاحبي ـ خرْط القتاد، وسف الرماد، وفضيحتك على رؤوس الأشهاد!
وحتى أريحك من إعادة البحث والنظر، وتقليب الأوراق وإدارة الفكر، سوف أنقل لك النص الوحيد الذي عساه غرك، فتعلقت به، وظننت أنك بهذا ضمنت انضمام الطبري ـ إلى الأبد ـ إلى فريقك!!
قال الإمام الطبري رحمه الله، في الفصل الذي عقده لبيان طرق المعرفة، بعد أن قرر أن للمعارف طريقين: الحواس، والقياس على ما تدركه الحواس:
(فأما الذي لا يجوز الجهل به من دين الله، لمن كان من أهل التكليف، لوجوده الأدلة متفقة عليه غير مختلفة، ظاهرة للحس غير خفية: فتوحيد الله تعالى ذكره، والعلم بأسمائه وصفاته وعدله؛ وذلك أن كل من بلغ حد التكليف من أهل الصحة والسلامة، فلن يعدم دليلا وبرهانا واضحا يدله على وحدانية ربه ... ) [التبصير (116 - 117)].
¥