تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أرأيت يا هذا، أن الطبري يقرر أن الذي يحاسب عليه صاحبه، ولا يعذر بالخطأ فيه: هو جهله بربه، وشركه به سبحانه، لأن الأدلة على ذلك كثيرة متفقة غير مختلفة في الدلالة على ذلك المطلوب؛ فمهما جهل واحدا منها، أو غاب عنه، أدرك غيره، وعرف به ربه، ووحده!!

فأين ذكره لهذا الدليل المعين، دليل الجوهر والعرض المعروف، كما ذكرت، وتقريره له، أو إلزامه به، أو قوله: إن الجهل به جهل بالله!!

هذا القانون الذي اغتررت به، يا أبا لمعة، أعني قانون: (بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول)، قد قال به قوم من أئمتكم، وأولهم الباقلاني، فيما يرى ابن خلدون [المقدمة (431) ط الشعب]، وتبعه بعض متعصبي الأشاعرة، حتى جاءت طريقة المتأخرين، فيما يقول ابن خلدون أيضا [السابق (432)]، فرفض المحققون منهم ذلك.

وإن شئت نموذجا على إبطال بعض أئمتكم لذلك، فانظر: أبكار الأفكار، للآمدي، حيث يورد ذلك في فصل: (ما يظن أنه من الأدلة المفيدة لليقين، وليس منها)، ثم يأخذ في إبطاله [أبكار الأفكار (1/ 208 - 210) وانظر أيضا: شرح المواقف، للجرجاني، وحواشيه (2/ 21 - 27). [لاحظ أننا اقتصرنا هنا على مصادر محققي الأشاعرة فقط].

رابعا: عاد صاحبنا (أبو لميعة الهاني) إلى مريثة بدائعية، مقامها: (كيف يسوغ ... ، وكيف يتجرأ)، وبحرها من (مخبول الهَزَر) لينعى علي أنني قلت (ولا يعنى ابن جرير عند هذه النقطة بالتدليل على أن ما لم يخل من الحوادث ... )، وراح يقول ما نقلته عنه سابقا!!

أبا لُمَيعة؛ قد والله مللت من تفهيمك!! واستحييت من كثرة تكذيبك؛ لكن ما حيلتي، وأنت تأبى إلا ذاك؟!!

فانظر إلى قولك: (فكيف يسوغ للطالب القول بعد هذا بأن الطبري لا يُعنَى عند هذه النقطة بالتدليل على أن ما لم يخل من الحوادث أو يسبقها فإنه محدَث؟ مع أن الإمام الطبري ينص نصا صريحا واضحا أن ما لم يخل من الحدث محدَثٌ؟ فهذا قلب تام لنتيجة الإمام الطبري التي صرّح بها)!!

فما هذا يا عبد الله، بالله يا عقلاء البشر، أليس هذا أشبه شيء بالذي قال:

كأننا والماء من حولنا. . . قوم جلوس حولهم ماء

نعم، أيها الأغتم، أعلم أنه نص صراحة .. ، لكن هل هذا النص هو دليل نفسه؟!!

أي قلب للنتائج، يا عبد الله، هذا الذي تدعيه، عافاك الله؟!!

لله در أبي الطيب المتنبي:

وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً ... وآفتهُ من الفهم السقيمِ

ولكن تأخذُ الآذانُ منه ... على قدر القرائحِ والفهومِ

أصدقك: إنني مخطئ في تعبي معك، وأنت مرتااااااااح!!

لقد ذكرتني بقول الإمام أحمد: إن كان هذا عقلك .. فقد استرحت!!

كان عليك، يا هذا، أن تقول لي: دليله على هذه القضية هو قوله الذي أشرتَ إليه: (إذ كان من المحال أن يكون شيء يحدث شيئا، إلا ومحدثه قبله)!! [تاريخ الطبري (1/ 28)].

لأقول لك: نعم على هذا اقتصر الطبري، وهذا هو الذي قلته أنا في بحثي عنه؛ لكنه غير كاف في هذا المقام، ويكفيني أن أقول لك: إن من يعتني بهذا الدليل لا يقف عند هذا الحد؛ لأن للمخالف أن يقول: القبلية والبعدية هي من الأمور النسبية، وليست من الأمور الذاتية؛ فإذا قلت ـ مثلا ـ الأب قبل الابن، لم يمنع ذلك من أن أقول: والجد قبل الأب .. ، وإذا قلت: النجار (الصانع) قبل الكرسي، لم يمنع أن يكون قبل النجار والده، أو نجار آخر ... ، وهكذا.

وإذا؛ فهذا الدليل بمجرده، لا يمنع من أن يكون قبل هذا الشيء المحدَث، محدث آخر، وهكذا، وهذا هو التسلسل في الآثار والمعلولات، ثم إنه لا يمنع أن يكون قبل الصانع المحدِث، صانع آخر، وهكذا، وهذا هو التسلسل في العلل!!

ولأجل قصور هذه الصورة، قال إمام الحرمين، أبو المعالي الجويني، رحمه الله:

(والأصل الرابع يشتمل على إيضاح استحالة حوادث لا أول لها، والاعتناء بهذا الركن حتم؛ فإن إثبات الغرض منه يزعزع جملة مذاهب الملحدة ... ) [الإرشاد (46) ط بيروت].

وهذا الأصل هو الحلقة المفقودة في استدلال الطبري هنا، يا صاحبي؛ أفهمت؟!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير