تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (ومما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث، إذا عرف تفسيرها وما اريد بها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم يُحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم، ولهذا قال الفقهاء: الأسماء ثلاثة أنواع: نوع يعرف حده بالشرع، كالصلاة والزكاة، ونوع يعرف باللغة، كالشمس والقمر، ونوع يُعرف بالعرف، كلفظ القبض، ولفظ المعروف في قوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ .. } ونحو ذلك ...

فاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يراد بها في كلام الله ورسوله، وكذلك لفظ الخمر وغيرها، ومن هنا يعرف معناها، فلو أراد أحد أن يفسّرها بغير ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل.

أما الكلام في اشتقاقها ووجه دلالتها، فذاك من جنس علم البيان وتعليل الأحكام، وهو زيادة في العلم وبيان حكمة ألفاظ القرآن، لكن معرفة المراد بها لا يتفق على هذا) ا هـ[" مجموع الفتاوى " (7/ 286) .. ]

ومما يجدر التنبيه عليه أنه لا يُقال عن المعنى الشرعي إنه معنى اصطلاحي؛ إذ الاصطلاح ما كان عن اجتماع بعض الناس فتصالحوا على معنى ما في لفظ، والمعنى الشرعي ليس كذلك، إنما هو ما نتج عن استقراء الاستعمال الشرعي لذلك اللفظ – وبالله التوفيق -).

أمثلة تدل على أهمية هذا الضابط في تفسير كلام الله ومعرفة الراجح من الأقوال عند تعددها في معنى لفظة أو آية:

1 - الزينة في قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.

قال العلامة الشنقيطي – رحمه الله – في تفسيره:"أضواء البيان"، بعد أن ساق أقوال العلماء في المراد بالزينة الظاهرة والزينة الباطنة: (وجميع ذلك راجع في الجملة إلى ثلاثة أقوال:

الأول: أن المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجاً عن اصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها كقول ابن مسعود ومن وافقه: إنها ظاهر الثياب؛ لأن الثياب زينة لها خارجة عن أصل خلقتها، وهي ظاهرة بحكم الاضطرار كما ترى وهذا القول هو أظهر الأقوال عندنا وأحوطها وأبعدها من الريبة وأسباب الفتنة.

القول الثاني: أن المراد بالزينة، ما تتزين به، وليس من أصل خلقتها أيضاً لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة، وذلك كالخضاب والكحل، ونحو ذلك لأن النظر إلى ذلك يستلزم رؤية الموضع الملابس له من البدن كما لا يخفى.

القول الثالث: أن المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل حلقتها، كقول من قال: إن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان) ا هـ.

وأما سبب ترجيحه للقول الذي رجحه فهو ما أوضحه بقوله: (وإيضاحه: أن لفظ الزينة يكثر تكراره في القرآن العظيم مراداً به الزينة الخارجة عن أصل المزين بها، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الشيء المزين بها كقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}.

وقوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ}.

وقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا}.

وقوله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}. وقوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ}.

وقوله: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}.

فلفظ الزينة في هذه الآيات كلها يراد بها ما يزين به الشيء وهو ليس من أصل خلقته كما ترى، وكون هذا المعنى هو الغالب في لفظ الزينة في القرآن يدل على أن لفظ الزينة في محل النزاع يراد به هذا المعنى الذي غلبت إرادته في القرآن العظيم .. وبه تعلم أن تفسير الزينة في الآية بالوجه والكفين فيه نطر) ا هـ[وانظر: " قواعد الترجيح " باختصار (1/ 179 - 181).]

2 - ومن الأمثلة – أيضاً – التي تبين أهمية معرفة هذا الضابط وأنه يبطل بعض الأقوال لمخالفتها لمدلوله، ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير