رأى بعض من فسّرَها أنها تدل على أن الجبال الآن في الدنيا يحسبها رائيها جامدة: أي واقفة ساكنة غير متحركة وهي تمر مرّ السحاب، وذلك دوران الأرض حول الشمس بل أشاروا إلى أن هذا التفسير هو المتناسب مع الإتقان المذكور بعده {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} وإلا فالقيامة تخريب للعالم لا يتناسب مع الإتقان [ينظر تقرير هذا الكلام في: " تفسير محاسن التأويل " للقاسمي (13/ 89 - 92) وفيه قوة من جهة الاستدلال، فالمسألة تحتاج إلى نظر وتحرير.وقد سبق بحث هذا القول وذكر كلام القاسمي هنا:هل قوله تعالى: (وترى الجبال تحسبها جامدة ... ) في الدنيا أم في الآخرة؟ أرجو التعليق ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?threadid=1938)
قال صاحب كتاب " قواعد الترجيح ": (وهذا القول مردود بهذه القاعدة وذلك أن جميع الآيات التي في حركة كلها في يوم القيامة كقوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً. وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً}، وقوله: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} وقوله: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} وقوله: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}.
فهذه الآيات ونحوها جاء الخبر فيها عن حركة الجبال في يوم القيامة بهذه الآية هي كذلك، كما جاء مطرداً في القرآن – فضلاً عن كونه غالباً) إلخ كلامه (1/ 183).
4 - المراد بالمسجد الحرام في القرآن:
يوجد بحث للدكتور إبراهيم الصبيحي عن هذه المسألة في كتابه: " المسائل المشكلة في مناسك الحج والعمرة " وهذا مختصرٌ لما ذكره فيها:
(ورد ذكر المسجد الحرام في كتاب الله تعالى خمس عشرة مرة وهو في جميع هذه الآيات معرفاً موصوفاً، وقد اختلف العلماء في المراد به، وهذه مجموعة من أقوال العلماء في ذلك:
قال الماوردي: كل موضوع ذكر الله فيه المسجد الحرام فهو الحرم إلا قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فهو نفس الكعبة.
وقال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}: وهذا اللفظ يطلق على جميع الحرم، وهو مذهب عطاء، فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع.
وقال ابن القيم – رحمه الله – في سياق كلام له عن غزوة الفتح: ( ... قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ} الآية والمسجد الحرام هنا المراد به الحرم كله، كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} فهو المراد به الحرم كله، وقوله سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} وفي الصحيح: أنه أسرى به من بيت أم هانئ [في كلام ابن القيم هنا نظر في قوله: (وفي صحيح) ذكره محقق كتاب زاد المعاد] وقال تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وليس المراد به حضور نفس موضع الصلاة اتفاقاً، وإنما هو حضور الحرم والقرب منه) إلخ كلامه.
وقد أورد المؤلف نقولاً أخرى تتعلق بهذه المسألة ثم قال: (قلت: هذه نصوص أهل العلم، والمسألة خلافية كما ترى، إلا أن الظاهر أن المراد به عموم الحرم؛ لأن اسم المسجد الحرام إذا أطلق في القرآن فالظاهر أنه يراد به العموم كما سبق نقل ذلك عن العلامة ابن القيم – رحمه الله – وإن أصرح الآيات في ذلك قول الله تعالى:
1 - {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}.
2 - وقال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ}.
¥