"أل" في "الأرض" في قوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ)، فالمقصود أرض معهودة بعينها وهي: مصر، كما ذكر ذلك القرطبي، رحمه الله، في تفسيره.
و:
"أل" في "الأرض" في قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا)، فالمقصود أرض معهودة بعينها وهي: أرض باليمن، كما أثر ذلك عن ابن عباس، رضي الله عنهما، وعينها مجاهد، رحمه الله، بـ: "أبين"، كما ذكر ذلك القرطبي، رحمه الله، في تفسيره.
ويرد على ذلك أنهما لم يقصدا تحديد هذه الأرض دون ما سواها، فوصف "الجرز": وهي الأرض التي قطع نباتها لعدم الماء أو لرعيه وإزالته، يجري عليها وعلى غيرها، فيكون قولهما من باب: التعريف بالمثال، أو ذكر فرد من أفراد العموم، وذكر بعض أفراد العام لا يخصصه كما قرر الأصوليون، فالعموم المقيد بوصف عدم الإنبات أرجح في هذا الموضع من العهد.
*****
ومنه أيضا:
"أل" في "الصلاة"
فقد تكون جنسية كما في:
قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).
وقد تكون عهدية كما في:
قول المؤذن في صلاة الفجر: "الصلاة خير من النوم"، فالمقصود صلاة معهودة بعينها وهي: صلاة الفجر بدليل عدم مشروعية هذا الذكر، ويسميه الفقهاء: التثويب، في غير أذان الفجر، وورد عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه خرج من المسجد لما سمع المؤذن يثوب في أذان الظهر إنكارا على فاعله، فدل ذلك على اختصاصه بصلاة معهودة وهي، كما تقدم، صلاة الفجر.
و:
قول المؤذن في الإقامة:
"قد قامت الصلاة"، فهو يعني، بداهة، صلاة معهودة، وهي الصلاة المقامة، أيا كانت.
و:
قول المؤذن في صلاة الكسوف: "الصلاة جامعة":
فلا تقال إلا في صلاة الكسوف، خلافا لبعض الشافعية، رحمهم الله، الذين أجازوا النداء بها في صلاة العيد قياسا على الكسوف بجامع: دعوة الناس إلى الاجتماع، وأورد عليهم أنه أمر تعبدي، ولا قياس في الأمور التعبدية لأن مبناها التوقيف.
فالعهد فيها قاصر على صلاة الكسوف دون ما سواها.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 08:35 ص]ـ
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ).
يقول الفخر الرازي رحمه الله: "الصلح مفرد دخل فيه حرف التعريف، والمفرد الذي دخل فيه حرف التعريف هل يفيد العموم أم لا؟ والذي نصرناه في أصول الفقه أنه لا يفيده، وذكرنا الدلائل الكثيرة فيه، (وهذا خلاف قول الجمهور من الأصوليين الذين يرون عموم الاسم المحلى بـ "أل" الجنسية الاستغراقية).
وأما إذا قلنا: إنه يفيد العموم فها هنا بحث، وهو أنه إذا حصل هناك معهود سابق فحمله على العموم أولى أم على المعهود السابق؟ الأصح أن حمله على المعهود السابق أولى، وذلك لأنا إنما حملناه على الاستغراق ضرورة أنا لو لم نقل ذلك لصار مجملاً ويخرج عن الإفادة، فإذا حصل هناك معهود سابق اندفع هذا المحذور فوجب حمله عليه، (ويرد على ذلك أن اللفظ بين بنفسه فليس مجملا يحتاج إلى بيان كلفظ: "الصلاة"، فلها شروط وأركان وواجبات وسنن ومباحات ومكروهات ومبطلات ......... إلخ بينتها السنة).
ويواصل، رحمه الله، فيقول:
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: من الناس من حمل قوله {والصلح خَيْرٌ} على الاستغراق، ومنهم من حمله على المعهود السابق، يعني الصلح بين الزوجين خير من الفرقة، والأولون تمسكوا به في مسألة أن الصلح على الإنكار جائز كما هو قول أبي حنيفة، وأما نحن فقد بينا أن حمل هذا اللفظ على المعهود السابق أولى، فاندفع استدلالهم والله أعلم". اهـ بتصرف.
فجعل الفخر، رحمه الله، "أل" في "الصلح": عهدية راجعة إلى الصلح المذكور قبلها، فهي عنده من باب: "المعهود الذكري" إذ قد تقدم ذكره قريبا، فحمله عليه عنده أولى من القول بالعموم.
¥