وقصر اللفظ العام على فرد بعينه: خلاف الأصل، فالأصل في ألفاظ الشارع، عز وجل، العموم، وكثيرا ما يعبر الأصوليين عن ذلك بقولهم: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، فاللفظ العام على أصله، وإن ورد على سبب خاص، وإن احتمل التخصيص بهذا السبب، فهو احتمال بعيد وإن كان جائزا، فلا يصار إليه إلا مع قرينة قوية تؤيد ذلك، فجعل الصلح هنا: صلح من خافت من بعلها نشوزا دون غيره من صور الصلح: قصر للفظ العام على صورة السبب الذي ورد عليه دون بقية صور الصلح، وفي هذا إهدار لعموم لفظ "الصلح"، والأصل في النصوص: الإعمال لا الإهمال فيعمل بعمومها ما أمكن، وهذا من أوجه بلاغة نصوص هذه الشريعة التي توي ألفاظها القليلة المعاني الكثيرة، فلا يعدل عن ذلك، كما تقدم، إلا بقرينة ترجح الخصوص، وهو خلاف الأصل، على العموم الذي هو الأصل في هذا الباب.
وحتى الأصوليون الذين منعوا إفادة العموم بنفس مادة اللفظ، لم يمنعوا إفادته بالقياس عليه، فعموم العلة عندهم معتبر، بخلاف من حملها على العهد فإنه يهدر المعنى الذي بني عليه الحكم، بقصره على صورة بعينها.
*****
ومنه "أل" في "المنبر" في حديث عمر، رضي الله عنه، وفيه: ...... سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ: قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ..............
فهي للعهد الذهني فهو منبر بعينه، وهو: منبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما أشار إلى ذلك الحافظ، رحمه الله، في "الفتح".
ويلتحق به نحو حديث ابن عباس رضي الله عنهما: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ.
*****
ومنه قوله تعالى: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا).
فـ: "أل" في: "الحجر" للعهد الذهني فهو حجر بعينه كان موسى عليه الصلاة والسلام يحمله معه، وقيل: ليس حجرا بعينه، ورجحه أبو السعود، رحمه الله، في تفسيره، فتكون "أل": جنسية تفيد ماهية الحجر، أي: اضرب حجرا من جنس الحجارة التي تقابلك أيا كان.
*****
ومنه لفظ "الإمام"، فإنه إن أطلق في:
باب السياسة كان دالا على ماهية من يتولى أمر الأمة.
أو أطلق في باب الصلاة: كان دالا على ماهية من يؤم الناس في الصلاة.
أو أطلق في العلم والديانة كان دالا على ماهية من يقتدى به.
و "أل" في كلها: "جنسية" تفيد ماهية ما دخلت عليه، وقد تفيد العموم بقرينة.
ولكنه إن أطلق في علوم القرآن، في مبحث: "جمع القرآن" تحديدا، انصرف إلى معهود بعينه وهو: "مصحف عثمان رضي الله عنه" فصارت "أل" عهدية بهذا الاعتبار.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 08:55 ص]ـ
وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته أيها الكريمان.
وبالإضافة إلى ما تفضل به الأستاذ جمال:
هناك عهد كنائي، كما في قوله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)، فهو كناية عن أمر استقر في أذهانهم، وهو أنهم كانوا ينذرون الذكور لخدمة بيت العبادة دون الإناث، فلما وضعتها أنثى، اعتذرت بأن هذه خلاف ما عهدوه من نذر الذكور.
والله أعلى وأعلم.
عزيزي مهاجر
لست أراها إلا ذهنية وإنما تختلف أحوال ذلك العهد.
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 09:03 ص]ـ
قد يتوهم بعض الناس فيعد ما هي من قبيل العهد الحضوري من قبيل العهد الذكري، مثل:
دخل علينا رجل فقال والدي أكرموا الرجل.
فالعهد حضوري لا ذكري لأنهما وردتا في سياقين أحدهما الرواية والآخر مقول القول. وتأمل:
دخل علينا رجل فأكرمنا الرجل.
فالعهد هنا ذكري.
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 08:19 ص]ـ
جزاك الله خيرا د. أبا أوس، أيها الكريم، على المرور والتعليق.
¥