تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"الجامع لأحكام القرآن"، (8/ 100).

والعام الذي يراد به الخاص من صور المجاز عند من يقول به، لأن عمومه غير مراد.

وقد يقال بأن اللفظ، وإن اختص بقوم بعينهم، إلا أن الذم اللاحق بهم، يلحق من سار على طريقتهم، فلو وجد في زماننا من يغلو في العزير، عليه السلام، لانسحب عليه الحكم، إما بنفس اللفظ، وإما بالقياس عليه، فكلا الطريقتين صحيحة في الاستدلال، وإن كانت الأولى أرجح من جهة كون الأصل في الألفاظ، بل والمعاني، عند جمع من الأصوليين: العموم، لا خصوص من نزلت فيه ابتداء.

ومثل ذلك خطاب بني إسرائيل في القرآن، في نحو قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فالخطاب موجه إلى بني إسرائيل في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قياسا على أسلافهم، فإن الميثاق لم يؤخذ منهم، وإنما لزمهم باعتبار لزومه من قبلهم، فإما أن ينسحب عليهم بنفس اللفظ إذ المعنى معلق على وصف: "اليهودية" فكل من دان بها لزمه ما لزم اليهود الأوائل، وإما أن ينسحب عليهم قياسا على الأوائل، وعلى هذا فقس.

وفي آية الطور: عهد في "أل" في "الطور"، أشار إليه الألوسي، رحمه الله، بقوله: "والطور قيل: جبل من الجبال، وهو سرياني معرب، وقيل: الجبل المعين". اهـ

فإما أن يكون مكافئ لفظ "الطور" في لغة العرب: "الجبل"، باعتبار ماهيته، فتكون "أل" فيه: جنسية تفيد ماهية الصخر المتجمع، فالمقصود جبل من الجبال بغض النظر عن عينه، وإما أن تكون عهدية في جبل معين، رفع فوقهم، وهو جبل الطور في سيناء، وهو الأقرب.

ومنه قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)

فإن "أل" في "الإنسان": عهدية من جهة أن المقصود بـ: "الإنسان" هنا: الكافر، فيكون، أيضا، من العام الذي أريد به الخاص، وهذا من أدلة من قال بأن: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، فالعام الوارد على سبب يعم كل من تحققت فيه صورة السبب، فمناط العموم هنا: "وصف الجدل"، وهو وصف قد يتحقق في آحاد المؤمنين بل في ساداتهم، ولا يعني ذلك أنهم كفار لمجرد تلبسهم بأمر وقع فيه الكفار، فإن الجدل أمر جبلت عليه نفوس البشر، وإن امتاز الكفار بكونهم أكثر الناس جدلا، ولهذا انصرف عموم لفظ "الإنسان" في الآية إلى إليهم.

ولهذا استدل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذه الآية، لما أيقظ عليا وفاطمة، رضي الله عنهما، ليصليا، فقال علي رضي الله عنه: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا". فَانْصَرَفَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}، فلا يقول عاقل بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أراد مساواة علي، رضي الله عنه، بالكفار من كل وجه لمجرد أنه استدل في حقه بآية نزلت في الكفار، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام: عموم وصف الجدل.

وهذا اختيار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، في مذكرته في أصول الفقه على روضة ابن قدامة رحمه الله.

ونظيره ما رواه مالك، رحمه الله، في "الموطأ": أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ

أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ أَوْ ابْنِ عَمِّهِ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ

{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير