تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذه الآية، أيضا، في حق الكفار، ومع ذلك لم يقل أحد بأن جابرا، رضي الله عنه، داخل فيها من كل وجه، وإن صح استدلال عمر، رضي الله عنه، بعمومها من هذا الوجه بجامع وصف: تلبية كل رغبات النفس وعدم حجزها عن شهواتها، وهو ما دل عليه لفظ عمر، رضي الله عنه، في رواية ابن أبي شيبة، رحمه الله، في مصنفه: "كلما اشتهيت شيئا اشتريته؟ ".

وهذا أصل في إعمال عمومات النصوص ما أمكن، فالأصل فيها، كما تقدم، العموم، وإن وردت على أسباب أو أشخاص بعينهم.

وفي الآية عهد آخر في "الناس"، وهو من أشهر الألفاظ التي أريد بها العهد في الكتاب العزيز، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مداخلة سابقة، والمقصود به هنا: أهل مكة، باعتبار أن السورة مكية، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، في تفسير الآية التالية: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا)، بقوله: " {وَمَا مَنَعَ الناس} أي أهلَ مكةَ الذين حُكيت أباطيلُهم". اهـ

ويقال هنا، أيضا: هي خاصة بهم باعتبار السبب، فدخولهم فيها قطعي لا يقبل التخصيص، عامة في كل مكذب باعتبار المعنى، إما بنفس اللفظ، أو قياسا عليه، وعموم اللفظ أرجح من القياس عليه.

ومنه أيضا:

قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا).

فإن "أل" في "الظالم" هنا: عهدية، إذ المقصود في الآية إما:

"عقبة بن أبي معيط"، عليه من الله ما يستحق، الذي آذى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإيعاز من خليله الآثم: أمية بن خلف.

وإما "الكافر" فيكون المقصود هنا، نوعا من الظلم بعينه وهو: الكفر، أعظم وأقبح أنواع الظلم، فتكون "أل" عهدية في الكفر لا مطلق الظلم، ويكون تفسير هذه الآية، كتفسير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الظلم في قوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، بالشرك في قوله تعالى: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).

ويقال هنا، أيضا، بعموم لفظ الآية، وإن وردت على سبب خاص، كما اطرد في الآيات السابقة، وإليه أشار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، في "أضواء البيان" بقوله: "من المشهور عند علماء التفسير أن الظالم الذي نزلت فيه هذه الآية، هو عقبة بن أبي معيط، وأن فلاناً الذي أضله عن الذكر أمية بن خلف، أو أخوه أبي بن خلف، وذكر بعضهم أن في قراءة بعض الصحابة: "ليتني لم أتخذ أبياً خليلاً"، وهو على تقدير ثبوته من قبيل التفسير، لا القراءة، وعلى كل حال فالعبرة بعموم الألفاظ، لا بخصوص الأسباب، فكل ظالم أطاع خليله في الكفر، حتى مات على ذلك يجري له مثل ما جرى لابن أبي معيط". اهـ

وقول الشيخ رحمه الله:

" ...................... "ليتني لم أتخذ أبياً خليلاً"، وهو على تقدير ثبوته من قبيل التفسير، لا القراءة "، إشارة منه إلى نوع من القراءة اصطلح أهل العلم على تسميته بـ: "القراءة التفسيرية"، كقراءة ابن مسعود، وأبي، رضي الله عنهما: "وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غَصْبًا"، وقراءة ابن عباس رضي الله عنهما: "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا".

فـ: "صالحة" وصف يصلح لتعليق علة الاستيلاء عليه، وإلا صار عيبها: عبثا لا طائل منه، إذ ما فائدة ذلك إذا كان الملك يستولي على كل سفينة سواء أكانت صحيحة أم معيبة؟!!!، فصار تقديره من قبيل: "دلالة الاقتضاء" ليتم المعنى باللفظ المقدر، وصار حذفه من باب: "الإيجاز بالحذف"، لدلالة السياق عليه، ومثله قوله تعالى: (قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ)، أي: البين، وإلا فهو قد جاء به ابتداء، ولكنه خفي عليهم لتعنتهم وتكلفهم في السؤال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير