وكذلك قراءة ابن عباس رضي لله عنهما: "أمامهم"، فـ: "الوراء" في الآية بمعنى: "الأمام" كما ذكر ذلك جمع من المفسرين، لأنهم وفدوا على أرض ذلك الملك لا أنه كان يطاردهم ليصح حمل اللفظ على "الوراء" المعهود، فيصير اللفظ بذلك من "الأضداد" التي تدل على المعنى وضده، والسياق هو الذي يحدد المعنى المراد.
فقراءة: "ليتني لم أتخذ أبياً خليلاً": يصح حملها على أنها قراءة تفسيرية بينت عين من نزلت فيه الآية ابتداء، فهي إلى بيان سبب النزول أقرب منها إلى القراءة. أو يقال هي من باب: "التفسير بالمثال"، فيكون ذكر "أبي" مثالا يفسر عموم "الظالم"، فيقاس عليه أمثاله، ولا يختص اللفظ به، لأن ذكر بعض أفراد العام على سبيل التمثيل لا يخصصه كما قرر الأصوليون.
ومثله: ما رواه الحاكم، رحمه الله، في "مستدركه" من طريق: مسروق، قال: قرأت عند عبد الله بن مسعود: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله) قال: فقال ابن مسعود: إن معاذا كان أمة قانتا. قال: فأعادوا عليه فأعاد، ثم قال: أتدرون ما الأمة؟ الذي يعلم الناس الخير، والقانت الذي يطيع الله ورسوله.
وهو عند الطبراني، رحمه الله، في "معجمه الكبير"، وفيه اختلاف ليس هذا موضع بيانه.
فإن ابن مسعود، رضي الله عنه، استدل بعموم المعنى، فذكر معاذا، رضي الله عنه، لتحقق وصف "الأمة" فيه، لا أنه قصد تبديل القراءة، فيكون ذكره لمعاذ، رضي الله عنه، من باب ذكر فرد من أفراد العام، فلا يخصصه، على التفصيل المتقدم، فإن ابن مسعود، رضي الله عنه، ما قصد إلا بيان فضل إمام العلماء: معاذ رضي الله عنه.
وهذه القراءات، بطبيعة الحال، تحمل على أنها موقوفات على من رويت عنهم، فلم تثبت قرآنا، لأن أصحابها، لم ينسبوها إلى القرآن أصلا، فتجري مجرى التفسير، كما تقدم، ولو نسب القارئ قراءة كهذه إلى القرآن بسند آحاد، فالأصوليون مجمعون على أنها لا تثبت قرآنا، لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، فتحمل على أنها خبر آحاد، يحتج به، على الراجح من أقوال أهل العلم، في الأحكام الشرعية، ولا تجوز قراءته قرآنا، فلا تنعقد به صلاة، ولا يثاب قارئه ثواب قارئ القرآن، وإلى هذا التفصيل جنح الماوردي رحمه الله. وبه تزول شبهة من تعلق بهذه القراءات التفسيرية أو الآحادية ليثبت وقوع التبديل في آي الكتاب العزيز، وما درى المسكين أن ما يستدل به ليس داخلا في حد القرآن أصلا، لعدم تواتر نقله!!!!.
وفي الآية، أيضا، عهد ذكري، في لفظ: "السفينة" في قوله تعالى: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)، لتقدم ذكرها في قوله تعالى: (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا)، بخلاف العهد في قوله تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ)، فهو عهد ذهني في سفينة نوح عليه الصلاة والسلام إذ لم يتقدم ذكرها في السياق الذي وردت فيه.
ومنه أيضا:
"الأعمى"، في قوله تعالى: (أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى)، فـ: "أل" فيه لمعهود ذهني هو: عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه.
بخلاف "أل" في "الأعمى" في قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ)، فهي جنسية استغراقية لعموم من ابتلي بعلة العمى.
ومن ذلك أيضا:
الألقاب التي صارت أعلاما على أصحابها كـ:
الصديق، والفاروق: فقد نزلا منزلة العلم الدال على شخص شيخي قريش: أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، فصح وقوعهما عطف بيان، مع كونهما مشتقين، والأصل في عطف البيان أن يكون جامدا، لأنهما نزلا منزلة العلم، والعلم من الجوامد التي يصح وقوعها عطف بيان.
ومثله:
الأعرج: علما على الراوي الشهير: عبد الرحمن بن هرمز، رحمه الله، الذي يروي عن أبي هريرة، رضي الله عنه، وقد عد أهل العلم: ترجمة: أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة من أصح الأسانيد، لاسيما إن كان الراوي عن أبي الزناد: "مالكا بن أنس" رحمه الله.
و: الأعمش: علما على الراوي الشهير: سليمان بن مهران، رحمه الله، وهو من أئمة الحديث في الكوفة.
والأخفش: علما على أبي الحسن، رحمه الله، النحوي الشهير، وإن اشترك معه غيره في هذا اللقب، ولكنه ينصرف إليه أول ما ينصرف.
والأعشى: علما على الشاعر المشهور: "أعشى قيس".
وهكذا في بقية الألقاب المحلاة بـ: "أل" التي صارت أعلاما على أشخاص بعينهم فينصرف الذهن إليهم أول ما ينصرف عند سماعها، فتحقق فيها معنى العهد من هذا الوجه.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أيمن الوزير]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 10:57 ص]ـ
ما كل هذا أخي مهاجر لقد أفضت وأفضت
ولكن
هل توضيح بسيط وتفريق بين أل الجنسية وأل الاستغراق
¥