ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 06:53 ص]ـ
ومنه قوله تعالى: (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ).
فإن "المنكر": اسم لكل ما تنكره الشرائع والفطر والعقول، ولكن المقصود به في هذه الآية: الفاحشة المعهودة التي تلبس بها أولئك القوم، وأشار بعض المفسرين إلى أن "المنكر" يشمل مجموعة معاص تلبسوا بها إلى جانب تلك الفاحشة، فإما أن يكون العهد في هذه الآية: خاصا بفعل بعينه، أو بمجموعة أفعال، فالعهد في كلا الحالين حاصل.
*****
ومثله:
قوله تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)، فإن "الفاحشة" هنا، أيضا، هي الفاحشة المعهودة، بقرينة ذكر لوط، عليه السلام، وقومه، ولقائل أن يقول: وهي مع ذلك تفيد استغراق معاني الفحش، فتكون استغراقية من هذا الوجه، إذ لا تعلم فاحشة اجتمع فيها من معاني القبح ما اجتمع في تلك الفعلة الشنيعة، ولذلك كانت عقوبتها من أشد العقوبات، فينكس فاعلها من عل، جزاء وفاقا لانتكاس فطرته.
ومعنى الإنكار مؤكد بالاستفهام التوبيخي: (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ)، فإن ما بعده واقع، فقد ارتكبوا ما ارتكبوا، وكان ما كان، فلم يعد الإنكار كافيا، بل التوبيخ في حقهم أليق، وقوله تعالى: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ)، تكرير للتوبيخ ببيان إجمال "الفاحشة" في الآية الأولى، وهو ما أكد معنى العهد المراد، والإضراب في: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ): إضراب انتقالي من توبيخ إلى آخر، وهذا مما يسوغ القول بأن "أل" هنا، يصح أن تكون استغراقية لكل معاني القبح، الذي يناسبه كل هذا الكم من التقريع والتوبيخ.
*****
ومنه قوله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فإن "أل" في "الفحشاء" في هذا السياق تشير إلى معهود بعينه هو: "البخل" بقرينة ورودها في سياق الحث على الإنفاق في سبيل الله، وضده البخل الذي يأمر به الشيطان.
يقول أبو السعود رحمه الله:
" {وَيَأْمُرُكُم بالفحشاء} أي بالخَصلة الفحشاء أي ويغريكم على البخل ............. والعربُ تسمي البخيلَ فاحشاً قال طرفةُ بن العبد:
أرى الموتَ يعتامُ الكرامَ ويصطفي ******* عقيلةَ مالِ الفاحشِ المتشدِّدِ". اهـ
*****
ومنه أيضا:
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا زنى العبد، نزع منه الإيمان، فإن تاب، أعيد إليه).
فإن "الإيمان" المنزوع: هو الإيمان الواجب اللازم للنجاة من الوعيد، فليست "أل": جنسية، وإلا صح نفي مطلق الإيمان، عن الزاني، فيكفر بكبيرته، كما قالت الخوارج، وإنما المقصود إيمان معهود هو: الإيمان الواجب، كما تقدم، فالزاني ينتفي عنه: كمال الإيمان الواجب، دون أصله، إلا إن استحل كبيرته، فالمستحل يكفر سواء ارتكب أم لم يرتكب. وإلى ذلك أشار بعض أهل العلم كابن أبي شيبة، صاحب المصنف، رحمه الله، كما ذكر ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في "الإيمان".
وقال أحمد رحمه الله: يخرج من الإيمان إلى الإسلام، وهو مؤد إلى القول السابق، لأن الإسلام يتضمن مطلق الإيمان الذي لا يصح العمل إلا به، وأعمال الجوارح التي فسر بها جبريل، عليه السلام، الإسلام في حديث الإسلام والإيمان والإحسان المعروف.
*****
ومنه قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ).
فإن "أل" في "السفهاء" الأولى: عهدية، لأنهم قصدوا بها أفرادا بعينهم، وهم المؤمنون من المهاجرين والأنصار، بزعمهم، فجاء الرد بـ: "السفهاء" الثانية، التي تفيد الاستغراق المعنوي، فهم الأليق بكل خصال السفه، وقد أكد ذلك المعنى بـ: "ألا" الاستفتاحية، و"إن"، وضمير الفصل: "هم"، واسمية الجملة، وتعريف جزأيها.
*****
¥