تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومنه الألفاظ التي نقلها الشارع، عز وجل، عن حقائقها اللغوية إلى حقائق شرعية معهوة، كـ: "الصلاة" و "الزكاة" و "الصيام"، فإن:

الصلاة في اللغة: الدعاء، وفي الشرع: دعاء مخصوص، والزكاة في اللغة: التطهير، وفي الشرع: تطهير مخصوص، والصيام في اللغة: الإمساك، وفي الشرع: إمساك مخصوص ............ إلخ، فالشرع قد نقل الألفاظ من حقائقها اللغوية المطلقة إلى حقائق شرعية معهودة بتقييدها بشروط وأركان وواجبات وسنن ومباحات ومكروهات ومبطلات ..... إلخ، فماهية اللفظ في الشرع: ماهيته في اللغة مقيدة بأوصاف جامعة مانعة، تميز الحقيقة الشرعية الخاصة من الحقيقة اللغوية العامة.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وهكذا قالوا في اسم الصلاة والزكاة والصيام والحج إنها باقية في كلام الشارع على معناها اللغوي لكن زاد في أحكامها. ومقصودهم أن الإيمان هو مجرد التصديق وذلك يحصل بالقلب واللسان. وذهبت طائفة ثالثة إلى أن الشارع تصرف فيها تصرف أهل العرف. فهي بالنسبة إلى اللغة مجاز، وبالنسبة إلى عرف الشارع حقيقة. (فالحقيقة الشرعية: حقيقة في باب الشرعيات، مجاز في اللغة، وكذلك من صور الحقيقة العرفية: المجاز المشتهر، كالغائط، فهو حقيقة مهجورة في اللغة بمعنى: الأرض المنخفضة، مجاز مشتهر نزل منزلة الحقيقة العرفية العامة).

والتحقيق أن الشارع لم ينقلها ولم يغيرها، ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة، كما يستعمل نظائرها، كقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، فذكر حجا خاصاً، وهو حج البيت، وكذلك قوله: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} [البقرة: 158] فلم يكن لفظ الحج متناولاً لكل قصد، بل لقصد مخصوص دل عليه اللفظ نفسه من غير تغيير اللغة ................ فكذلك الحج المخصوص الذي أمر اللّه به دلت عليه الإضافة أو التعريف باللام، فإذا قيل: الحج فرض عليك، كانت لام العهد تبين أنه حج البيت. وكذلك الزكاة: هي اسم لما تزكو به النفس، وزكاة النفس زيادة خيرها وذهاب شرها والإحسان إلى الناس من أعظم ما تزكو به النفس، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103]. وكذلك ترك الفواحش مما تزكو به، قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: 21] وأصل زكاتها بالتوحيد وإخلاص الدين للّه، قال تعالى: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6، 7] وهي عند المفسرين التوحيد.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مقدار الواجب، وسماها الزكاة المفروضة، فصار لفظ الزكاة إذا عرف باللام ينصرف إليها لأجل العهد". اهـ

بتصرف من "الإيمان"، ص178، 179.

فالبيان النبوي قاض على إجمال الكتاب، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاء بالأسماء الشرعية بعد نقلها عن حقائقها اللغوية، وبين حدودها ومقاديرها الشرعية، فحصل بقوله: تمام البيان لمسائل الشرع إخبارا وإنشاء، فلم يقبض، عليه الصلاة والسلام، إلا وقد استوفى بيان كل مسائل الشريعة: أصولا وفروعا، نصا أو إشارة أو قياسا، فلم ينزل بيان كل مسألة بعينها، فهذا مما يتنافى مع إعجاز الشريعة في كلياتها الجامعة، وإنما حصل البيان بألفاظ كلية يصح قياس ما جد من نوازل عليها، وهذا القول وسط بين طرفين: طرف أهل الظاهر الذين يغالون في التمسك بظواهر النصوص، وطرف أهل الرأي، الذين يغالون في التمسك بمعاني النصوص، وإن عادت على ألفاظها بالإبطال.

والأصل في باب الشرعيات: تقديم الحقيقة الشرعية على الحقيقة اللغوية، فلا يقال بأن اللفظ إذا ورد في دليل شرعي: مجمل، حتى ترجح القرينة أحد معنييه: الشرعي أو اللغوي، كما ذهب إلى ذلك القاضي الباقلاني، رحمه الله، فإن لازم هذا القول التوقف في كل اللفاظ الشرعية حتى ترد القرينة المرجحة، وإنما الصحيح: حمل ألفاظ النصوص الشرعية على حقائقها الشرعية إلا إذا دلت القرينة على إرادة الحقيقة اللغوية، كما في قوله تعالى: (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا)، فإن القرينة قد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير