"وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك. ولا شك أنه داخل فيها، وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صديقًا تقيًا كريما جوادًا بذالا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسول الله". اهـ
فهي عامة من وجه: عموم ألفاظها، خاصة من وجه: اختصاص الصديق، رضي الله عنه، بالسبق إلى الأوصاف المذكورة، فهو أكمل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
*****
ومنه قوله تعالى: (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ):
فإن "أل" في "الخير" تشير إلى معهود بعينه هو: الخيل التي شغلت سليمان عليه الصلاة والسلام عن صلاة العصر.
*****
وقوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ).
فهو تابوت بعينه فيه بقية مما ترك موسى وهارون، عليهما الصلاة والسلام، كانت بنو إسرائيل تتبرك به، على الراجح من اقوال أهل العلم بجواز التبرك بآثار الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، إذا صحت نسبتها إليهم، بخلاف آثار غيرهم من الأولياء والصالحين.
بخلاف "التابوت" في قوله تعالى: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ).
فإن "أل" فيه عهدية ذهنية، أيضا، ولكنها تشير إلى تابوت آخر، هو التابوت الذي ألقت أم موسى موسى عليه الصلاة والسلام فيه.
*****
ومنه أيضا:
"الوسيلة" في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فهي تعم كل صور التوسل المشروع من: توسل بأسماء الله، عز وجل، وصفاته، وبالصالحات، كما في حديث أصحاب الغار، وبدعاء الصالحين من الأحياء دون الأموات الذين انقطع عملهم فلا يجوز طلب الدعاء منهم.
بخلاف "الوسيلة" في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)، فقد نص صلى الله عليه وعلى آله وسلم على بيان إجمال الوسيلة في الحديث بقوله: "فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا"، فصارت وسيلة معهودة بعينها.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 07:24 ص]ـ
ومنه أيضا:
"الملك" في سورة يوسف، في نحو قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ)، فإنه ملك، بعينه، من ملوك الهكسوس، ولذلك لم يوصف بأنه من الفراعنة، لأن الفراعنة استردوا الملك في جيل تال في بعد وفاة يوسف عليه الصلاة والسلام.
*****
وقوله تعالى: (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ).
بخلاف "البلد" في قوله تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ)، فالمقصود من "البلد: الأرضُ الكريمةُ التربة، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فتكون من قبيل المجاز المرسل، عند من يقول بالمجاز، علاقته: الكلية، إذ أطلق الكل: البلد، وأراد البعض: تربتها.
*****
وكذلك "البلدة" في قوله تعالى: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
¥