، وَلِلْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَة " إِلَّا فِي شَهْر الْحَرَام " وَهِيَ رِوَايَة مُسْلِم، وَهِيَ مِنْ إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفْسه كَمَسْجِدِ الْجَامِع وَنِسَاء الْمُؤْمِنَات. وَالْمُرَاد بِالشَّهْرِ الْحَرَام الْجِنْس فَيَشْمَل الْأَرْبَعَة الْحُرُم، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة قُرَّة عِنْد الْمُؤَلِّف فِي الْمَغَازِي بِلَفْظِ " إِلَّا فِي أَشْهُر الْحُرُم " وَرِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد عِنْده فِي الْمَنَاقِب بِلَفْظِ " إِلَّا فِي كُلّ شَهْر حَرَام " وَقِيلَ اللَّام لِلْعَهْدِ وَالْمُرَاد شَهْر رَجَب، وَفِي رِوَايَة لِلْبَيْهَقِيِّ التَّصْرِيح بِهِ، وَكَانَتْ مُضَر تُبَالِغ فِي تَعْظِيم شَهْر رَجَب، فَلِهَذَا أُضِيفَ إِلَيْهِمْ فِي حَدِيث أَبِي بَكْرَة حَيْثُ قَالَ " رَجَب مُضَر". اهـ
فإما أن تكون: جنسية استغراقية فتعم الأشهر الحرم: رجب الفرد وذا القعدة وذا الحجة ومحرم.
أو: عهدية: فتشير إلى شهر بعينه وهو: رجب.
*****
ومنه أيضا:
ما رواه الآجري، رحمه الله، في "الشريعة": ص115، من طريق: سليمان بن يسار: أن المسور بن مخرمة: أخبره حين طعن عمر رضي الله عنه أنه دخل عليه هو وابن عباس، فلما أصبح أفزعوه فقالوا: الصلاة، الصلاة، فقال: «نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى والجرح يثعب دما»
فقولهم: "الصلاةَ، الصلاةَ": "أل" فيه عهدية تشير إلى الصلاة التي طعن فيها عمر، رضي الله عنه، وهي صلاة الفجر، والإغراء بتكرار المغرى به مظنة العهد.
بخلاف قول عمر رضي الله عنه: (ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة): فـ: "أل" في "الصلاة": جنسية سواء قيل: تفيد الماهية، أو الاستغراق، فلا يكفر إلا من ترك الصلاة مطلقا، لا من فرط في بعض الفرائض كسلا لا جحودا على خلاف بين الحنابلة، رحمهم الله، من جهة، والجمهور من جهة أخرى، وهو خلاف طويل لا يتسع المقام لذكره.
*****
وحديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا):
فـ: "أل" في الحكمة: عهدية تشير إلى القرآن، كما ذكر ذلك الحافظ، رحمه الله، في الفتح، (1/ 201).
وقال بعض أهل العلم: إن اقترنت بـ: "الكتاب" فهي: "السنة"، وإن انفردت فهي: "القرآن"، كما في هذا الموضع، أو: الوحي عموما: قرآنا وسنة، فتكون المسألة من مسائل: دلالة الاقتران والافتراق.
وأشار الحافظ، رحمه الله، إلى معنى كلي جامع فقال: "وقيل: المراد بالحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح". اهـ
****
ومنه: قوله تعالى: (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي):
فـ: "أل" في "الأرض: عهدية تشير إلى: أرض مصر، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
بخلاف "أل" في "الأرض" في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ):
فهي عهدية تشير إلى أرض الجنة، كما في قوله تعالى: (وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاء).
وقد يقال بأنها جنسية استغراقية تعم كل بقاع الأرض التي نحيى عليها، فالله، عز وجل، قد وعد عباده الموحدين بظهور دينهم، كما في حديث المقداد، رضي الله عنه، مرفوعا: "لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ إِمَّا يُعِزُّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا".
*****
وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ):
فـ "أل": عهدية تشير إلى جمع المؤمنين وجمع المشركين يوم أحد.
¥