أو العموم المجازي، كقولك: زيد الرجل، أي: الذي اجتمعت فيه خصال الرجولة، فالحصر هنا ليس على حقيقته، وإنما هو حصر إضافي، وعلامته: جواز استبدال "أل" بلفظ "كل" مجازا، فتقول: زيد كل رجل، فقد بلغ من الكمال درجة صح معها أن يخبر عنه بكل رجل، كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل الصيد في جوف الفرا".
أو العموم العرفي: فتكون الإشارة فيه لكل الأفراد مقيدا، كقولك: جمع الأمير التجار، أي: تجار بلده، لقرينة صرفت اللفظ عن العموم اللفظي المستفاد من ظاهره إلى العموم العرفي، فدلالة الحس والعرف تدل على أن المقصود: تجار بلده دون بقية البلاد إذ لا سلطان له على بقية التجار، ويسمى الاستغراق في مثل هذه الحالة: "استغراقا عرفيا".
أو: تفيد بيان الماهية دون تعرض إلى عموم أو خصوص، كما في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، أي: من جنس الماء، فـ: "من" لبيان الجنس، و "أل" جنسية لبيان الماهية، فليس المقصود منها الاستغراق، فلا يصح إبدال "أل" بـ "كل" سواء أكان الإبدال حقيقة أم مجازا، فلا يقال: وجعلنا من كل الماء كل شيء حي، لأن الحس يكذب ذلك، فمن الماء ما يشرب، ومنه ما يجري .............. إلخ، فليس الماء كله للخلق، وإن وقع خلق كل الكائنات الحساسة المتحركة من جنسه.
وقوله تعالى: (وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ)، أي: جنس الحيوان المفترس الذي يسمى: ذئبا، لا فردا معينا من أفراده، فأطلق عموم الجنس وأراد به خصوص فرد من أفراده.
ويمكن تقسيم الاستغراق بطريقة أخرى فيقال: الاستغراق إما أن يكون:
استغراق أعيان: فينقسم إلى:
استغراق حقيقي، كآية العصر، فالاستغراق فيها يشمل كل أفراد نوع الإنسان.
واستغراق عرفي، كما في قولك: جمع الأمير التجار، فقد جمع أعيان تجار بلدته، فحصل العموم من هذه الجهة، وحصل الخصوص من جهة العرف الذي خص هذا العموم بتجار بلدته دون من سواهم.
أو: استغراق أوصاف: فيكون مجازا، عند من يقول بالمجاز، كقولك: زيد الرجل.
والاستغراق المستفاد من "أل" يستوي فيه اتصالها بجمع قلة أو جمع كثرة، ولذلك لا يقال بأن "الثمرات" في قوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ): جمع قلة، والسياق سياق امتنان، فكان من الواجب الإتيان بجمع كثرةٍ نحو: "الثمر"، أو: "الثمار"، لأن: دخول "أل" في حد ذاته يفيد استغراقا ينقل جمع القلة من خصوصه إلى العموم الذي يدل عليه استغراق "أل" الجنسية لعموم ما دخلت عليه وهو ما يناسب سياق الامتنان.
يقول أبو حيان، رحمه الله، في "البحر":
فقامت الثمرات مقام الثمر أو الثمار على ما ذهب إليه الزمخشري، لأن هذا من الجمع المحلى بالألف واللام، فهو وإن كان جمع قلة، فإن الألف واللام التي للعموم تنقله من الاختصاص لجمع القلة للعموم، فلا فرق بين الثمرات والثمار، إذ الألف واللام للاستغراق فيهما، ولذلك رد المحققون على من نقد على حسان قوله:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ******* وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
بأن هذا جمع قلة، فكان ينبغي على زعمه أن يقول: الجفان وسيوفنا، وهو نقد غير صحيح لما ذكرناه من أن الاستغراق ينقله". اهـ
ودلالة "أل" الجنسية على تعريف ما دخلت عليه: دلالة ضعيفة، بدليل جواز إعراب الجملة بعد ما دخلت عليه: نعتا، وقد تقرر أن الجمل بعد المعارف: أحوال، وبعد النكرات: صفات، فلو كانت تفيد تعريفا لما جاز إعراب ما بعدها: نعتا، ولكنها لما كانت تدل أصالة على عموم جنس ما دخلت عليه، أفادت معنى النكرة من هذه الجهة، وإن كانت معرفة من جهة اللفظ، وفي التنزيل: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)، فـ: "أل" في "الحمار" تدل على جنسه دون نظر إلى حمار بعينه، ولذا صح في غير القرآن أن يقال: كمثل حمار يحمل أسفارا، فتكون جملة: "يحمل أسفارا": في محل جر صفة للمضاف إليه: "الحمار"، ومن شعر العرب:
¥