بخلاف: أما العسلَ فأنا شارب، فهو جائز: لأن اسم الفاعل قد تجرد من "أل" الموصولة فعمل فيما قبله بلا إشكال، ولكنه مقيد في هذه الحال أيضا: بكونه لا يعمل متجردا إلا في الحال أو الاستقبال، فلا تقول: أما العسلَ فأنا شارب بالأمس، ويرد على ذلك:
قوله تعالى: (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)، فالبسط قد وقع وانتهى، ومع ذلك عمل اسم الفاعل في "ذراعيه"، وأجيب بأن المقصود هنا: استحضار الصورة فنزل الماضي منزلة الحاضر، كقولك: هجم الذئب وأنا أصك عينيه، أي: فصككت عينيه، ولكن لما كان المقصود استحضار الصورة، جيء بالجملة الحالية التي تفيد الحاضر.
ويؤيد كونها موصولة: ترتب الحكم عليها مقرونا بالفاء، فتقدير الكلام في آية السرقة: والذي سرق والتي سرقت فاقطعوا أيديهما، فرتب حكم القطع على فعل السرقة، ترتب المُسَبَب على سببه، ولا يتأتى ذلك إلا غلى القول بأنها موصولة، ليؤول المشتق بعدها بالفعل الذي اشتق منه، أو يقال بأن: مجرد تعليق الحكم على مشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق، وهو: فعل السرقة، فتكون السرقة علة القطع، وسوغ ذلك أن الموصول هنا يفيد الشرطية التى يتوقف فيها تحقق المشروط، وهو هنا: القطع، على تحقق شرطه، وهو هنا: السرقة، فهي من باب: الذي يأتيني فله درهم.
وصلة "أل": مفرد بخلاف صلة باقي الأسماء الموصولة، فصلتها لا تكون إلا جملة.
والمثنى كالمفرد، كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ)، فإنه يعم كل مسلمين، فيكون تقدير الكلام: إذا التقى اللذان اتصفا بالإسلام بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، ومما يقوي العموم فيه: ترتب الحكم على سببه بصيغة الشرط بأداة "إذا".
وقد تدخل "أل" الموصولة على:
الظرف، أو الجملةٍ الاسمية، أو الفعلية التي فعلها مضارعٌ، وذلك دليل على أنها ليست حرف تعريف، لأن "أل" المعرفة لا تدخل إلا على الاسم المفرد، فهي من خصائصه الأصيلة، كما تقدم، فالأول كقوله:
منْ لا يزالُ شاكراً على المعهْ ******* فهْوَ حرٍ بعيشةٍ ذاتِ سعهْ
أي: الذي معه.
والثاني كقوله:
من القومِ الرسولُ اللهِ منهُمْ ******* لهم دانت رقابُ بني معدِّ
أي: من القوم الذين رسول الله منهم.
والثالث كقوله:
يقول الخنى وأبغض العُجْم ناطقا ******* إلى ربنا صوتُ الحمارِ اليُجَدَّعُ
ومنه أيضا:
بيت الفرزدق الشهير:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ******* ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
أي: وما أنت بالحكم الذي ترضى حكومته.
والجميع خاص بالشعر، خلافاً للأخفش وابن مالك في الأخير.
وإلى هذا الخلاف أشار الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، في حاشية "منتهى الأرب"، بقوله:
ثم اعلم أن النحاة يختلفون في مجيء صلة "أل" الموصولة فعلا مضارعا، فذهب الكوفيون إلى أنه جائز في سعة الكلام. وقال الأزهري في "التهذيب": إنه لغة من لغات العرب، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز في سعة الكلام، وإنما يقع في ضرورة الشعر، وذهب ابن مالك إلى أنه يقع في الكلام ولكنه قليل، (وهذا هو الخلاف الذي أشار إليه ابن هشام رحمه الله) ". اهـ
فالكوفيون يطلقون الجواز في السعة، والبصريون يطلقون المنع، وابن مالك، رحمه الله، يقول بالجواز على قلة، فهو كالوسط بين طرفين، وإن مال إلى طرف البصريين بتقييد ذلك بكونه قليلا.
وقد نص ابن مالك، رحمه الله، على ذلك في الألفية بقوله:
وصلة صريحة صلة "أل" ******* وكونها بمعرب الأفعال قل
فمجيئها موصولة بـ: "الأفعال" قليل.
و"أل" الموصولة كباقي الأسماء الموصولة، فهي نص في العموم، ففي آية السرقة والزنا: يعم حكم القطع والجلد كل سارق وزان، وفي هذا رد على من قصر هذه العموم على أفراد بعينهم، فكلامه لا يصح إلا على القول بأن "أل" معرفة، وسبق بيان بطلان ذلك، ففي آية السرقة: إن قيل بأن سبب نزولها المخزومية التي كانت تستعير المتاع فتجحده، فورود لفظ "السارق" المذكر في الآية يدل على عمومها، وإن قيل بأن سبب نزولها سارق رداء صفوان بن أمية، رضي الله عنه، فورود لفظ "السارقة" المؤنث في الآية يدل على عمومها، وكذلك في آية الزنا،
¥