وقد تقرر في الأصول: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالسبب لا يعمل شيئا، كما قال الشافعي، رحمه الله، وإنما العبرة باللفظ، فإن خاصا فخاص، كما في قوله تعالى: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)، وسائر خصائص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإن عاما فعام.
*****
ومن "أل" ما يكون زائدا:
إما لزوما: كـ: "أل" في الأسماء الموصولة على قول من جعل تعريف الموصول بصلته، وهو اختيار جمهور النحاة.
و "الآن": يقول ابن عقيل رحمه الله:
"واختلف في الألف واللام الداخلة عليه، فذهب قوم إلى أنها لتعريف الحضور كما في قولك: "مررت بهذا الرجل"، لأن قولك: "الآن" بمعنى هذا الوقت، وعلى هذا لا تكون زائدة، وذهب قوم - منهم المصنف – (أي: ابن مالك رحمه الله)، إلى أنها زائدة، وهو مبني لتضمنه معنى الحرف، وهو لام الحضور". اهـ
و "اللات":
يقول الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، في حاشية "منح الجليل":
"ومثل اللات كل علم قارنت "أل" وضعه لمعناه العلمي، سواء أكان مرتجلا أم كان منقولا، فمثال المرتجل من الأعلام التي فيها "أل" وقد قارنت وضعه: "السموأل"، وهو اسم شاعر جاهلي مشهور يضرب به المثل في الوفاء، ومثال المنقول من الأعلام التي فيها "أل" وقد قارنت وضعه للعلمية أيضا: العزى، وهو في الأصل مؤنث الأعز وصف من العزة، ثم سمى به صنم أو شجرة كانت غطفان تعبدها، ومنه: "اللات"، وهو في الأصل اسم فاعل من لت السويق يلته، ثم سمى به صنم، وأصله بتشديد التاء، فلما سمى به خففت تاؤه، لأن الأعلام كثيرا ما يغير فيها، ومنه "اليسع" فإن أصله فعل مضارع ماضيه وسع ثم سمي به". اهـ
فمن العلم ما هو: مرتجل، وهو الذي سمي به ابتداء، فلم يستعمل قبل ذلك في شيء غير التسمية، كقولك: سعاد، فهي اسم أنثى ابتداء دون أن تنقل من غيرها.
ومنه ما هو منقول: كقولك: الحارث، فهو علم منقول من اسم الفاعل المشتق من الفعل: "حرث".
وإما غير لازمة: وهي الداخلة اضطرارا على العلم، كقولهم في "بنات أوبر" علم لضرب من الكمأة: "بنات الأوبر" ومنه قوله:
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ******* ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
ومنه قول الشاعر:
باعد أم العمرو من أسيرها ******* حراس أبواب لدى قصورها
وضابط ذلك " أن العلم إذا نزل منزلة اسم الجنس، فإن دخول "أل" عليه يكون سائغا، فلا تدخل عليه إلا بعد نية تنكيره، فلا تقول: جاء الزيد، إلا بعد نية تنكير زيد، لئلا يجتمع على الاسم تعريفان: تعريف "أل" الداخلة عليه، وتعريف العلمية الذي يدل عليه ابتداء، فـ: "زيد" علم على الذات المسماة بـ: "زيد".
ومن ذلك قول الأخطل:
وقد كان منهم حاجب وابن أمه ******* أبو جندل والزيد زيد المعارك.
فوجب تنكير"زيد" في: "الزيد": لئلا يجتمع عليه التعريف بـ "أل" والعلمية، وفي: "زيد المعارك" لئلا يجتمع عليه التعريف بالإضافة والعلمية.
وقول ربيعة الرقي:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ******* يزيد سليم والأغر بن حاتم
فوجب تنكير "يزيد" في "اليزيدين" من جهة: أن "أل" لا تدخل على العلم إلا بعد نية تنكيره، كما تقدم، ومن جهة أن التثنية لا تصح في الأعلام الشخصية التي تدل على ذات بعينها، لأن تلك الذات لا ثاني لها في الخارج، فتثنيتها دليل على تنكيرها.
وقول ابن ميادة يمدح الخليفة الوليد بن يزيد:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا ******* شديدا بأعباء الخلافة كاهله
فـ "أل" في اليزيد:
إما أن تكون زائدة فيكون ما دخل عليها: معرفة، وإما أن تكون مُعَرِفة، فلا تدخل على "يزيد" إلا بعد قصد تنكيره لئلا يجتمع على العلم الشخصي معرفان.
ومن الزائدة:
الداخلة على التمييز اضطرارا كقول الشاعر:
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا صددت ****** وطبت النفس يا قيس عن عمرو
فتقدير الكلام: وطبت نفسا، لأن التمييز لا يكون إلا نكرة، فتكون "أل" في "النفس" زائدة، وهذا مذهب البصريين بخلاف الكوفيين الذين جوزوا وقوع التمييز معرفة فتكون "أل" غير زائدة على قولهم.
ومنه "أل" في "الأمس" في قول نصيب:
فإني وقفت اليوم والأمسَِ قبله ******* ببابك حتى كادت الشمس تغرب
¥