و الهدف من اعتبار مثل هذا؛ ترجيح أحد الجانبين، فإذا وُجد متابع يدفع عن الراوي ريبة التفرد، أو شاهد يؤكد حفظه للمتن أو لمعناه، رجح جانب إصابته فيما توبع عليه، أو فيما وُجد له شاهد، من الرواية؛ كلها، أو بعضها.
و إذا وُجد مخالف له، ممن تؤثِّر مخالفته، أو شاهد كذلك بخلاف ما روى، ترجح جانب خطئه في روايته، و قوي جانب الرد لها، فتُلحق ـ حينئذٍ ـ بالمناكير و الشواذ.
و إذا لم يوجد؛ لا هذه، و لا تلك: ما يشهد له، ولا ما يخالفه، كان الحديث فرداً، و رجح جانب الخطأ فيه، فيكون منكراً؛ لتفرد من لا يحتمل تفرده به ([24] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn24)) .
لاسيَّما؛ إذا انضاف إلى ذلك بعض القرائن التي تؤكد عدم حفظ الراوي لما تفرد به؛ كأن يكون المتفرد مُقلاَّ من الحديث، لا يُعرف بكثرة الطلب، ولا بالرحلة، أو يكون إنما تفرد بالحديث عن بعض الحفاظ المكثرين، المعروفين بكثرة الحديث و الأصحاب، فإن من عُرف بسوء الحفظ، إذا تفرد و انضاف إلى تفرده مثل
هذه القرائن، لا يتردد فاهم في نكارة ما تفرد به ([25] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn25)) .
و أما "الخطأ الراجح"؛ فالرجحان يكون بأحد أمرين:
الأول: متعلق بالراوي.
و ذلك؛ بأن يكون الراوي المتفرد بالرواية ضعفه شديد؛ لكذب، أو تهمة، أو شدة غفلة.
فمثل هذه الرواية، لا تصلح للاعتبار؛ لرجحان جانب الخطأ فيها، من حيث أن مثل هؤلاء الرواة إنما يتفردون في الأعم الأغلب بالكذب الموضوع، أو الباطل المنكر.
و القليل جداً؛ الذي أصابوا فيه، إنما يُعرف من رواية غيرهم من أهل الثقة و الصدق، فلم تعد روايتهم ذات فائدة؛ إذا وُجد ما يغني عنها ممن يوثق بدينه و حفظه.
يقول الإمام مسلم ـ عليه رحمة الله ـ ([26] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn26)) عن روايات هذا النوع من الرواة:
"لعلها ـ أو أكثرها ـ أكاذيب، لا أصل لها؛ مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات و أهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة، ولا مقنع".
هذا؛ و القدر القليل الذي يوجد له أصل عند ثقات المحدثين، مما يرويه هؤلاء الكذابون أو المتهمون أو ما شابههم؛ لا يُؤمن أن يكونوا إنما سرقوه من الثقات، و ليس مما سمعوه؛ لأن من يُعرف بالكذب، أو يُتهم به، لا يستبعد عليه أن يُجهز أو يسطو على حديث غيره، فيسرقه؛ فكانت رواية هؤلاء وجودها كالعدم؛ لأنها إما مختلفة، و إما مسروقة.
الثاني: متعلق بالرواية نفسها.
و ذلك؛ بأن يكون راوي الرواية، ممن لم يبلغ في الضعف تلك المنزلة، و إنما نشأ ضعفه من سوء حفظه، أو اختلاطه، أو نحو ذلك مما لا يقدح في دين أو عدالة، بل قد يكون ثقة صدوقاً، من جملة ما يحتج بحديثه في الأصل؛ إلا إنه "ترجَّح" أنه أخطأ في هذا الحديث بعينه، في إسناده أو متنه، عن غير قصد أو تعمد، فتكون روايته هذه التي أخطأ فيها من قَبيل "المنكر" أو "الشاذ".
و الخطأ؛ كنحو: زيادة أو نقصان، أو تقديم أو تأخير، أو إبدال راوٍ براوٍ، أو كلمة بكلمة، أو إسنادٍ في إسناد، أو تصحيف أو تحريف، أو رواية بالمعنى أفسدت معنى الحديث و غيرت نظامه.
فإذا ترجح وقوع شيء من هذا في الرواية، كانت الرواية ـ حينئذٍ ـ خطأ، منكرة أو شاذة، لا اعتبار لها، و إنما الاعتبار بأصلها الذي خلا من هذه الآفات؛ إن كان لها أصل.
فإن كان أصل الرواية خطأ، فلا تصلح الرواية ـ حينئذٍ ـ للاعتبار بها، بأي جزء منها، و بأي قطعة منها.
و إن كانت الرواية من أصلها محفوظة، أو لها من المتابعات و الشواهد ما يؤكد كونها محفوظة، إلا جزء منها في الإسناد أو في المتن، ثبت خطؤه، و نكارته، لم يُعتبر بهذا الجزء منها خاصة، و إن اعتُبر بأصل الرواية.
فمثلاً؛ إذا اختُلف في وصل رواية و إرسالها، و ترجح لدينا أن من وصلها أخطأ، و أن الصواب أنها مرسلة، فالرواية الموصولة غير صالحة للاعتبار بها؟ لأنها خطأ متحقق، فوجودها و عدمها سواء، و إنما يُعتبر بالرواية المرسلة فحسب.
¥