تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن خلال هذا العرض الموجز يمكن القول أن تمثل ملك الموت في صورة البشر أمر غير مستغرب ولا مستنكر، إذ دلت نصوص القرآن والسنة على ذلك، وأن الملك قد يأتي في صورة لا يعرفها النبي، فكان لطم موسى لرجل دخل بيته بغير إذنه، ولا يعرفه، يطلب روحه، أمر طبيعي له مسوغ شرعي، ثم إن فقء العين غير مستبعد مادام قد وقع على الصورة البشرية التي تصور فيها الملك، ووقوع الصلة وتأثيرها ـ وإن كان على حقيقته ـ وقع على الجسد العارض الذي

تصور فيه الملك، ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية ليرجع إلى موسى على كمال صورته فيكون ذلك أقوى في اعتباره.

ثالثًا: كراهية الموت أمر جبلي سماه الله في القرآن مصيبة، وموسى لم يكره الموت، وإن حصل لا يعيبه؛ لأنه لم يخرج على بشريته بنبوته:

تعسر على بعض المغالطين فهم حديث رسول الله r واستشكلوا قول ملك الموت u لرب العزة ـ سبحانه ـ: " لقد أرسلتني إلى رجل يكره الموت "، فلما أعياهم فهمه، جعلوا عقولهم حاكمة على النص بالضعف والنكارة، قالوا: إن عباد الله الصالحين لا يكرهون الموت، فكيف يكرهه نبي من أولي العزم؟!

وهذا أقل ما يقال عنه أنه نظر إلى النصوص بنظرة سطحية، ثم أعمل فيها عقله القاصر.

فمن تأمل في ألفاظ هذا الحديث، ثم تقصى نصوص القرآن والسنة لن يجد غضاضة في وجود جواب على هذه الاستشكالات المتهافتة.

فليس في الحديث ما يدل دلالة قاطعة على أن موسى يكره الموت، بل إن آخر الحديث دل دلالة واضحة على أن موسى آثر جوار ربه على طول البقاء وذلك عندما خُيِّر بين طول البقاء وبين الموت.

وقول ملك الموت في موسى (لا يريد الموت) هو مبلغ علمه من ظاهر ما صدر له منه، حيث قابل أمره له بالإجابة لربه بصكة وفقء عينه. ولكن قد تبين من قول موسى في آخر الحديث (الآن) المفيد لمحبته لتعجيل موته بعد تمكينه من تأخيره إلى غاية أبعد، تبين من ذلك أن موسى في الواقع بخلاف ما تراءى منه ملك الموت من كونه لا يريد الموت.

وقد علم الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية أن كليمه موسى ليس هو كما طنه فيه ملك الموت؛ وإنما هو على الحالة التي اختارها أخيرًا في قوله: فالآن. وعلم الله تعالى بذلك منه الظاهر أنه هو الذي لأجله أمر ملك الموت برجوعه إليه وبتخييره في طول الحياة وتعجيل الموت، وينبغي للمسترشد هنا أن يتذكر بهذا المقال من أحد كبار رسل الملائكة وهو ملك الموت في كليم الله ورسوله موسى نظيره من الملائكة كلهم أو جلهم في أصل البشر آدم u، الواقع في قوله تعالى: ژ?????پپپپ???????ژ إلى قوله: ژ?????ژ (البقرة: 30)، فهذا الذي ظنه الملائكة بآدم u هو نظير ما ظنه ملك الموت هنا بموسى عليهما السلام، وهذا الذي أجاب الله تعالى الملائكة به في هذه الآية هو عين الجواب لملك الموت هنا المستفاد مما اختاره موسى أخيرًا، وبه يتضح سقوط التمسك بقول الملك هنا في موسى على إشكال هذا المحل من حيث كونه لا يليق بموسى u.

ثم إن عدم انتصاف الله تعالى له من موسى ولو بالعتاب وثناؤه تعالى عليه بعد ذلك في قوله تعالى: ژ????????ژ (مريم: 51). كل ذلك دل على أن الله تعالى يعلم أن ما اعتقده الملك لا حق له فيه في الواقع. وقد تحقق ذلك من جهة أن ما صنعه موسى تأبى رتبته في الرسالة والتكليم اللذين اصطفاه الله بهما أن يسام بقصد الاعتداء فيه، بل اللائق بذلك أن يحمل صنيعه على أنه لم يقصد إلا أن يدافع عن نفسه وعن روحه من ظنه لها لما تسور عليه منزلته بدون إذنه، ورام بسلب روحه في حال كونه لم يعرف أنه ملك الموت، ولا أتاه بعلامة صدقه في كونه جاء من عند الله التي هي التخيير بين الموت والحياة الذي عهد به الله تعالى لأنبيائه قبل قبض أرواحهم كما جاء في الموطأ والصحيحين وغيرهما. وقد قدمنا البيان على أنه لا يلزم من نبوة موسى علمه بكل من يجيء إليه من ملائكة الله ([43]).

من أجل ذلك نستطيع القول أن موسى u يكره الموت حقيقة وإنما ذلك خرج من ملك الموت u بمقتضى فهمه لما وجده من رد فعله في المرة الأولى.

ولو سلمنا جدلاً لهؤلاء أن في الحديث دلالة على كراهية موسى u للموت، فإن ذلك لا يقدح فيه u وذلك لأن كراهية الموت أمر جبلي فطر الله الناس عليه ولا يعاب الإنسان على كراهيته للموت. دلت على ذلك شواهد ونصوص متعددة نذكر منها:

1 ـ أن الله سمى الموت في القرآن مصيبة ([44]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير