تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عنه تبين أمره فقال: " هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم " ([56])، فكذلك كان أمر موسى u فيما جرى من مناوشته ملك الموت، وهو يراه بشرًا، فلما عاد الملك إلى ربه U مستثبتًا أمره فيما جرى عليه، رد الله U عليه عينه، وأعاده رسولاً إليه بالقول المذكور في الخبر، ليعلم نبي الله r إذا رأى صحة عينه المفقوءة وعودة بصره الذاهب أنه رسول بعثه لقبض روحه، فاستسلم حينذٍ لأمره وطاب نفسًا بقضائه، وكل ذلك وفق من الله U به، ولطف منه في تسهيل ما لم يكن بدٌّ من لقائه والانقياد لمورد قضائه" ([57]).

فالقول بأن هذا اعتراض من موسى قول مغلوط تخالفه الحقائق ومفهوم النصوص السوية المستقيمة.

هذا في الوقت الذي علم موسى u أن الأنبياء مخيرون قبل موتهم بالضرورة، فاستبعد أن يأتيه ملك الموت بهذه الطريقة، وعلى هذه الصفة دون تخيير.

ودلت على ذلك أخبار صحاح عن النبي r منها:

كان رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو صحيح يقول: "إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده في الجنة ثم يحيا أو يخير". فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة، غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت، ثم قال: "اللهم في الرفيق الأعلى". فقلت: إذًا لا يجاورنا، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا، وهو صحيح ([58]).

وعنها رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله r:

( ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة. وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ". فعلمت أنه خُيٍِّرَ) ([59]).

قال الحافظ بن حجر: قوله: (كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير) ولم تصرح عائشة بذكر من سمعت ذلك منه في هذه الرواية وصرحت بذلك في الرواية التي تليها من طريق الزهري عن عروة عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو صحيح يقول "إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيَّى أو يخيَّر". وهو شك من الراوي، هل قال: يحيَّى أو يخيَّر ([60]).

وبناء على هذه الدلائل الواضحة كان من حق موسى أن يخير عند موته، إذا جاءه الملك، فلما جاءه بغير هذه الصفة التي يعرفها، ولا بما استقر عنده من التخيير قبل الموت استبعد أن يكون هذا ملك الموت، فكيف يقال: إن لطمه كان اعتراضًا أن يقرر أولاً معرفة موسى لملك الموت ابتداء، وأنى له ذلك حين يقف على قول موسى في آخر الحديث ـ لما خير بين طول البقاء وبين الموت في المرة الثانية ـ: "الآن"؟ أي أنه آثر جوار ربه على طول البقاء، وذلك بعد مجيء الملك على الهيئة التي تجعله يتيقن بأن هذا ملك من قبل الله.

والقول بأن موسى قد لطم ملك الموت وهو يعرفه، لأنه لم يخيِّره فيه نظر من وجهين:

الأول: أنه من المستبعد جدًّا أن يصدر هذا الفعل من كليم الرحمن تجاه ملك الموت ـ الذي هو رسول رب العالمين ـ وهو يعرفه، فإن هذا مما ينزه عنه الأنبياء.

الثاني: أن هذا الجواب ليس فيه حسم لمادة الإشكال؛ لأن الله تعالى أخبر عن الملائكة أنهم: ژ?????????ژ (التحريم: 6)، فلماذا خالف ملك الموت أمر الله هنا، فلم يخير موسى u؟

ولهذا قال ابن حجر عن هذا الجواب: " فيه نظر؛ لأنه يعود أصل السؤال، فيقال: لِم أقدم ملك الموت على قبض نبي الله وأخل بالشرط؟! " ([61]).

وبناء على هذا الشرط نستطيع أن نرد على قول من قال بأن فعل موسى u كان اعتراضًا على حكم وقضائه.

فإن قيل: إذا كان أجل موسى u قد حضر، فكيف تأخر مدة هذه المراجعة، وقد قال الله تعالى: ژ????ہہہہھھژ (الأعراف: 34)؟ وإن كان لم يحضر، فكيف جاء الملك لقبض روحه؟ ([62])

فالجواب: أن أجل موسى لم يكن قد حضر، فلم يبعث إليه ملك الموت في المرة الأولى؛ لكي يقبض روحه، وإنما بعث إليه اختبارًا وابتلاءً، وليس أمرًا يريد الله U إمضاءه، وإنما هو كأمره خليله إبراهيم u بذبح ابنه ابتلاءً وامتحانًا، فإنه U لم يرد إمضاء الفعل، ولهذا لما عزم إبراهيم u على ذبح ابنه، وتله للجبين، فداه الله بالذبح العظيم.

ولو أراد الله تعالى قبض روح موسى حين لطم ملك الموت لكان ما أراد، كما قال تعالى: ژ???????????ژ (النحل: 40).

وبهذا أجاب ابن خزيمة ([63])، وابن حبان ([64])، والخطابي ([65])، والبغوي ([66])، وابن الجوزي ([67])، واستحسنه العراقي ([68]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير