ولكن في الحقيقة لم تنفرد النسخة البغدادية بمثل هذا الإسناد، فهو موصول في رواية غيره أيضا في غير هذا المحل ففِي " بَاب التِّجَارَة فِي الْبَحْر " ذكره البخاري هناك كما ذكره هنا في أكثر الروايات. ولكن وصله أَبَو ذَرّ وَأَبَو الْوَقْت فِي آخِره، أي بعد أن ساقه البخاري معلقا أتبعاه بقوله: قال البخاري: " حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صَالِح حَدَّثَنِي اللَّيْث بِهِ ".
وهذا عادة للبخاري إذا ساق المتن ثم أتبعه بالسند فإنه يعني أن الحديث ليس من شرط الكتاب أصالة، وتبعه عليه تلميذه ابن خزيمة. وللبخاري موضع آخر صنع فيه مثل ذلك، حيث ساق الحديث ثم أعقبه بالإسناد، وذلك في كتاب التفسير، حديث المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قصة الرجل الذي أشكلت عليه أشياء في القرآن العزيز، وهو حديث مشهور.
قال الحافظ: وَفِي مُغَايَرَة الْبُخَارِيّ سِيَاق الْإِسْنَاد عَنْ تَرْتِيبه الْمَعْهُود إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَرْطه وَإِنْ صَارَتْ صُورَته صُورَة الْمَوْصُول، وَقَدْ صَرَّحَ اِبْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه بِهَذَا الِاصْطِلَاح وَأَنَّ مَا يُورِدُهُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّة لَيْسَ عَلَى شَرْط صَحِيحه وَخَرَجَ عَلَى مَنْ يُغَيِّرُ هَذِهِ الصِّيغَة الْمُصْطَلَح عَلَيْهَا إِذَا أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّة اهـ
قلت: وليس لهذين الحديثين ثالث في الصحيح، والله أعلم.
ويمكننا بعد هذا أن نقول:
إن أحاديث البخاري على ثلاثة أنواع
المسندة، وهي شرط الكتاب، ودونها وهي التي يؤخر فيها الأسناد عن المتن، وهي أخف من حيث شرط الصحة، ثم المعلقات وهي أقل من هذه درجة وقد يكون فيها الصحيح عند غيره أو الضعيف وما بينهما.
3 - التعلية في الإسناد
والمراد بالتعلية أن يروي الراوي دون البخاري حديثا للبخاري من غير طريقه بعلو درجة أو درجتين. وقد سن ذلك الفربري لما علا درجة في حديث علي بن خشرم أول الصحيح.
قال الذهبي: قد علا في أوائل " الصحيح " حديث موسى والخضر فقال: حدثناه علي بن خشرم، حدثنا سفيان بن عيينة، وهذا ثابت في رواية ابن حمويه دون غيره أهـ.
قلت: وفي النسخة البغدادية تعلية أخرى: ففي كتاب الحج باب طواف القارن، قال الحافظ:
وَقَعَ هُنَا عَقِبَ الطَّرِيق الثَّانِيَة لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر الْمَذْكُور فِي نُسْخَة الصَّغَانِيِّ تَعْلِيَة السَّنَد الْمَذْكُور لِبَعْضِ الرُّوَاة وَلَفْظه: قَالَ أَبُو إِسْحَاق: حَدَّثَنَا قُتَيْبَة وَمُحَمَّد بْن رُمْح قَالا: حَدَّثَنَا اللَّيْث مِثْله أهـ.
وَأَبُو إِسْحَاق هَذَا إِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَمْلِي فَقَدْ سَقَطَ بَيْنه وَبَيْنَ قُتَيْبَة وَابْن رُمْح رَجُل، وَإِنْ كَانَ غَيْره فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون إِبْرَاهِيم بْن مَعْقِل النَّسَفِيّ الرَّاوِي عَنْ الْبُخَارِيّ وَاَللَّه أَعْلَم.
قلت: من مقارنة النصوص ظهر أن للصغاني عناية برواية النسفي، فلا يبعد أن يكون هو المقصود والله أعلم، ولا سيما أن للنسفي سماع مشهور من قتيبة وابن رمح، بخلاف الفربري، فقد أخطأ من زعم أنه سمع من قتيبة، هكذا قال الذهبي في السير، وأظن أنه أراد هذا الموضع، فقد يكون بعضهم ظن أن التعلية من الفربري، وهو خطأ لأن الفربري لا رواية له عن قتيبة، أما النسفي فله رحلة ورواية وسماع، والله أعلم.
4 - زوائد أخرى عن البخاري
وهذه الزوائد كثيرة، وقد اخترت منها هذه النماذج: في حديث البخاري (5963) قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ ... ، الحديث
قال الحافظ: وَزَادَ حَفْص بْن غِيَاث فِي رِوَايَته عَنْ الْأَعْمَش: قَالَ الْأَعْمَش: قُلْت لِزَيْدِ بْن وَهْب إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ أَبُو الدَّرْدَاء قَالَ أَشْهَد لَحَدَّثَنِيهِ أَبُو ذَرّ بِالرَّبْذَةِ. قَالَ الْأَعْمَش: وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِح عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء نَحْوه.
¥