عِلْمِهِ بِضَعْفِهِ ... ).
قال القاضي "قال (الإمام أحمد) في رواية مهنا: الناس كلهم أكفاء إلا حائكا أو حجاما، فقيل له: أتأخذ به وأنت تضعفه؟ فقال: إنما نضعف إسناده و لكن العمل عليه"
"وقال مهنا: سألت أحمد عن حديث معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أن غيلان أسلم و عنده عشر نسوة، فقال: ليس بصحيح و العمل عليه، كان عبد الرزاق يقول: معمر عن الزهري مرسلا".
قال القاضي: معنى قول أحمد: هو ضعيف، على طريق أصحاب الحديث، لأنهم يضعفون بما لا يوجب تضعيفه عند الفقهاء، كالإرسال و التدليس، والتفرد بزيادة في حديث لم يروها الجماعة، وهذا موجود في كتبهم، تفرد به فلان وحده، فقوله: هو ضعيف، على هذا الوجه، وقوله: والعمل عليه، معناه على طريق الفقهاء ".
[فالإمام قال بموجَبِه لدلالة القرآن ولجريان العمل عليه]
وفي مسائل أبي داود (178) أن: «الحائض لا تقرأ القرآن». وساق حديث: «إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع ... ». ونقل المحققُ (طارق عوض الله) في الحاشية عن الإمام أحمد أنه أنكره.
[فالإمام أحمد لم يستند في هذا الحكم إلى هذا الحديث، بل للنصوص المتكاثرة عن الصحابة والتابعين في المنْع، ويحتمل أنه قال بموجبه للاحتياط].
وفي كتاب الترجل للخلال (69) استدلال الإمام أحمد على كراهة حلق القفا بحديث مرسل.
[وتجد أن الكراهة تحصلت عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى من مقدمتين:
أما الأولى: فلأنه فعلُ المجوسِ
وأما الثانية: فمن تشبه بقوم فهو منهم]
وهذا السبيل ليس هو بسبيل الإمام أحمد وحده:
ففي علل ابن أبي حاتم:
(سمعت أبا زرعة يقول: حديث زيد بن أرقم عن النبي في دخول الخلاء: قد اختلفوا فيه؛ فأما سعيد بن أبي عروبة فإنه يقول: عن قتادة عن القسمِ بن عوف عن زيد عن النبي، وحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس أشبه عندي، قلت: فحديث إسماعيل بن مسلم يزيد فيه الرجس النجس؟ قال: وإسماعيل ضعيف؛ فأرى أن يقال: الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم؛ فإن هذا دعاء)
وقال أبو حاتم الرازي: وإن كان مثل هذا لا يثبت (أي: حديث الخراج بالضمان) إلا أنّ عليه العمل
ولهذا الباب نظائر كثيرة جدا، أن يوردوا الحديث الضعيف في سياق الاحتجاج مع علمهم بضعفه، والحكم لم يبن عليه وحده، ولذلك: فيصح القول بأن باب الاحتجاج أوسع من باب القبول.
وهذا البابُ معقودٌ: لئلا يُحتجّ بأن الإمام أحمد يحتج بالضعيف (استقلالا) استدلالا بنظائر هذه المسائل.
المبحث الرابع/ مراد الإمام بالحديث الضعيف.
قال شيخ الإسْلام ابن تيمية في شرح العمدة ج: 1 ص: 337: ... وقول أحمد وإسحاق إنما أرادا بقولهما حديثان صحيحان [يريدان: حديثا الوضوء من لحوم الإبل] على طريق أهل الحديث واصطلاحهم، وأما الحسن فإنهم لا يسمونه صحيحا مع وجوب العمل به، وهذا كثير في كلام أحمد يضعف الحديث ثم يعمل به؛ يريد أنه ضعيف عن درجة الصحيح ومع هذا فراويه مقارب وليس مُعَارضٌ= فيجب العمل به وهو الحسن، ولهذا يضعف الحديث بأنه مرسل مع أنه يعمل بأَكْثر المراسيل.
وقال في الفتاوى (1/ 251): وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَيْسَتْ صَحِيحَةً وَلَا حَسَنَةً لَكِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ جَوَّزُوا أَنْ يُرْوَى فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَال مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ ثَابِتٌ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ ... وَمَنْ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَيْسَ بِصَحِيحِ وَلَا حَسَنٍ فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ كَانَ فِي عُرْفِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَنْقَسِمُ إلَى نَوْعَيْنِ: صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ. وَالضَّعِيفُ عِنْدَهُمْ يَنْقَسِمُ إلَى ضَعِيفٍ مَتْرُوكٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِلَى ضَعِيفٍ حَسَنٍ كَمَا أَنَّ ضَعْفَ الْإِنْسَانِ بِالْمَرَضِ يَنْقَسِمُ إلَى مَرَضٍ مَخُوفٍ يَمْنَعُ التَّبَرُّعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِلَى ضَعِيفٍ خَفِيفٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
¥