تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الاصطلاحات الحديثية قد تختلف من عالم إلى عالم كما هو معروف، ولذلك بحث أهل العلم في معاني الألفاظ عند قائليها، فـ (ليس بشيء) عند بعضهم تعني طرح حديثه، وعند بعض تعني قلة الحديث، و (فيه نظر) عند البخاري جرح شديد بخلاف غيره، و (حسن صحيح) اصطلاح للترمذي لم يشتهر عند غيره، فلا وجه لكلامك؛ لأن الاصطلاحات تختلف عند أهل الحديث كثيرا جدا، وقد يختلف المتأخرون أيضا في فهم المراد من كلام المتقدمين، فلم يقع اتفاق بينهم على جميع اصطلاحات العلم، ولم ينكر أحد منهم على أحد استعمال اصطلاح حتى لو انفرد به.

و بالتالي فأي لفظ لم يستعملوه فهو دخيل عليهم.

كلمة (وبالتالي) يستعملها المعاصرون بمعنى أن الجملة السابقة تدل على الجملة التالية، وهذا غير موجود هنا؛ لأن الاصطلاحات قد تختلف من عالم إلى عالم، وكذلك من عصر إلى عصر، وما زال العلماء يضعون الاصطلاحات الخاصة ما داموا يوضحون معناها بغير نكير من أحد عليهم.

ومعلوم أن كثيرا من الاصطلاحات عند المحدثين إنما دخلت في القرن الخامس الهجري، وبعضها في القرن الثامن الهجري، بل بعض الاصطلاحات لا يعرف من وضعه على وجه الدقة!

ولم يقل أحد قط إن هذه الاصطلاحات الموضوعة في هذه القرون دخيلة عليهم؛ لأنهم لم يستعملوها في هذه القرون المتطاولة.

ومن الخطأ نسبته إليهم أو العمل به دون مشاورتهم و موافقتهم.

أما الخطأ في نسبته إليهم فكلام صحيح؛ فإن نسبة القول إلى من لم يقله لا تصح، ولكن هذا لم يحدث ولا علاقة له بموضوعنا هنا، بدليل أن السؤال هنا أصلا عمن استعمل هذا الاصطلاح، وليس في مجرد استعماله إلصاقٌ له بهم، ولا نسبتُه إليهم.

وأما العمل به دون مشاورتهم وموافقتهم، فالعلماء قديما وحديثا يستعملون اصطلاحات خاصة بهم دون استشارة، ولو شئت أن أضرب على ذلك عشرات الأمثلة لفعلت.

و أهل الحديث لما استعملوا لفظ الكتب الخمسة لم يكن ذلك مجرد اسم، و إنما هو منهج علمي و اجتهاد موفق، أجمعو من خلاله على أن هذه الكتب أصح كتب السنة المسندة، و أقلها ضعفا، و أحسنها ترتيبا و تنسيقا، ثم اختلفوا في السادس منها.

هذا كلام غير صحيح يا أخي الكريم، فلم يحصل قط إجماع على ذلك، وإنما هذا اصطلاح وضعه واحد من أهل العلم، بسبب شهرة هذه الكتب ليس غير - وهذا الواحد غير معلوم على وجه الدقة ولكنه ورد في كلام أبي طاهر السلفي وغيره - وجاء من بعده فاتبعوه عليه.

ولم يحصل قط أن اجتمع أهل الحديث كما تقول في عصر من العصور بإحصاء كتب الحديث ودراستها دراسة منهجية ومعرفة أقلها ضعفا وأحسنها ترتيبا، ثم أجمعوا من خلال ذلك على هذه الكتب!!

وقد تنازع أهل العلم في تفضيل الموطأ على الصحيحين، والصواب أفضلية الصحيحين، ولكنهم لم يتنازعوا في أن الموطأ أفضل من سنن ابن ماجه، ولا أنه أقل ضعفا منه، وكذلك فضل بعضهم سنن الدارمي على ابن ماجه، ومع ذلك فالاصطلاح الأشهر في الكتاب السادس هو ابن ماجه، كما عند ابن القيسراني، وعبد الغني المقدسي، والمزي وغيرهم، فدل ذلك على أنه محض اتفاق واصطلاح. وبعضهم جعل الموطأ هو السادس كرزين وأبي السعادات ابن الأثير.

والبغوي لما قسم الكتب الستة إلى صحاح - ويعني بها الصحيحين - وحسان - ويعني بها السنن الأربعة - اعترض عليه بعض العلماء بأن فيها الضعيف، فاعتذر له التبريزي وغيره بأنه اصطلاح ولا مشاحة فيه! فلم يكن وجه الاعتراض في التقسيم ذاته، وإنما كان في دلالة لفظ الحسن على معنى معين لا ينطبق على السنن الأربعة لوجود الضعيف فيها.

فالأسلم و الأفضل الوقوف على عبارات المحدثين، و قد استعمل الحافظ الأصول السبعة مريدا الكتب الستة و مسند الإمام أحمد كما في "المطالب العالية " (1/ 5)

الحافظ ابن حجر معروف باستعمال اصطلاحات كثيرة جدا لم يُسْبق إليها، كالطبقات التي ذكرها في التقريب، وطبقات الصحابة في الإصابة، والعشرة المذكورة في أطرافه.

ومع ذلك لم نسمع قط أن أحدا قال إنه جانب منهج المحدثين، ولا أن ما فعله مكروه!

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير