تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واختلف العلماء في الركعتين بعد الوتر؟

فمنهم من استحبها وأمر بها، ومنهم: كثير بن ضمرة وخالد بن معدان.

وفعلها الحسن جالساً.

وتقدم عن أبي مجلز، أنه كان يفعلها.

ومن أصحابنا من قال: هي من السنن الرواتب.

وفي حديث سعد بن هشام ما يدل على مواظبة النبي (عليهما.

ومن هؤلاء من قال: الركعتان بعد الوتر سنة له، كسنة المغرب بعدها، ولم يخرج بذلك المغرب عن أن يكون وتراً لها.

ومن العلماء من رخص فيهما، ولم يكرههما، هذا قول الأوزاعي وأحمد.

وقال: ارجوا إن فعله أن لا يضيق، ولكن يكون ذلك وهو جالس، كما جاء في الحديث. قيل له: تفعله أنت؟ قالَ: لا.

وقال ابن المنذر: لا يكره ذَلِكَ.

ومن هؤلاء من قال: إنما فعل النبي (ذلك أحيانا لبيان الجواز فقط.

وحكي عن طائفة كراهة ذلك، منهم قيس بن عبادة ومالك والشافعي.

فأما مالك، فلم يعرف هاتين الركعتين بعد الوتر -: ذكره عنه ابن المنذر.

وأما الشافعي، فحكي عنه أنه قال: أمر النَّبيّ (أن نجعل آخر صلاتنا بالليل وتراً، فنحن نتبع أمره، وأما فعله فقد يكون مختصا به.

و أشار البيهقي إلى أن هاتين الركعتين تركهما النبي (بعد فعلهما، وانتهى أمره إلى أن جعل آخر صلاته بالليل وتراً.

وهذا إشارة إلى نسخهما، وفيه نظر.

وإذا كان مذهب الشافعي أنه لا تكره الصلاة بعد الوتر بكل حال، فكيف تكره هاتان الركعتان بخصوصهما، مع ورود الأحاديث الكثيرة الصحيحة بها؟

وقد ذكر بعض الناس: أن النَّبيّ (كانَ يصلي ركعتين بعد وتره جالساً، لما كانَ يوتر من الليل ويجعل الركعتين جالسا كركعة قائمًا، فيكون كالشفع لوتره، حتَّى إذا قام ليصلي من آخر الليل لم يحتج إلى نقضه بعد ذَلِكَ.

وربما استأنسوا لذلك بحديث ثوبان: كنا مع النبي (في سفر، فقال: ((إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ، وإلا كانتا له)).

خرجه ابن حبان في ((صحيحه)).

وهذا القول مردود؛ لوجهين:

أحدهما: أن حديث عائشة يدل - لمن تأمله - على أن هذا كانَ النَّبيّ (يفعله في وتره من آخر الليل، لا من أوله، وكذلك حديث ابن عباس.

وثانيهما: أن صلاته جالساً لم تكن كصلاة غيره من أمته على نصف صلاة

القائم.

يدل عليه: ما خرجه مسلم في ((صحيحه)) من حديث عبد الله بن عمرو، قال: أتيت النبي (، فوجدته يصلي جالساً، فقلت: حُدّثتُ يا رسول الله، إنك قلت:

((صلاة الرجل قاعداً على نصف الصلاة))، وأنت تصلي قاعداً؟ قالَ: ((أجل؛ ولكني لست كأحد منكم)).

و أما حديث ثوبان، فتأوله بعضهم على أن المراد: إذا أراد أن يوتر فليركع ركعتين.

وكأنه يريد أنه لا يقتصر في وتره في السفر على ركعة واحدة، بل يركع قبلها ركعتين، فيحصل له بهما نصيب من صلاة الليل، فإن لم يستيقظ من آخر الليل كان قد اخذ بحظ من الصلاة، وإن استيقظ صلى ما كتب له، وهذا متوجه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

وروي عن النبي (، أنه كان يصلي في السفر صلاته من الليل قبل أن ينام.

ففي ((المسند)) من حديث شرحبيل بن سعد، عن جابر، أنه كان مع النبي (في سفر، فصلى العتمة - وجابر إلى جنبه -، ثم صلى بعدها ثلاث عشرة سجدة.) اهـ

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد 1/ 333 وما بعدها: (وقد ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً تارة، وتارة يقرأ فيهما جالساً، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، وفي "صحيح مسلم" عن أبي سَلَمة قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: كان يُصلي ثلاثَ عشرة ركعةً، يُصلي ثمانَ ركعات، ثم يُوتِر، ثم يُصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، ثم يُصلي ركعتين بين النداءِ والإِقامةِ مِن صلاة الصبح وفي "المسند" عن أمسلمة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يُصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس وقال الترمذي: روي نحوُ هذا عن عائشة، وأبي أمامة، وغيرِ واحدٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وفي "المسند" عن أبي أمامة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يُصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، يقرأ فيهما ب {إِذَا زُلزِلَت} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.

وروى الدارقطني نحوَه من حديث أنس رضي الله عنه.

وقد أشكل هذا على كثير من الناس، فظنوه معارضاً، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُم بِالْلَّيْلِ وِتْراً". وأنكر مالك رحمه الله هاتين الركعتين، وقال أحمد: لا أفعله ولا أمنعُ مَنْ فعله، قال: وأنكره مالك وقالت طائفة: إنما فعل هاتين الركعتين، ليبين جوازَ الصلاة بعد الوتر، وأن فعله لا يقطع التنفُّل، وحملوا قولُه: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُم بِالْلَّيْلِ وِتْراً " على الاستحباب، وصلاة الركعتين بعده على الجواز.

والصواب: أن يقال: إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة، وتكميل الوتر، فإن الوترَ عبادة مستقلة، ولا سيما إن قيل بوجوبه، فتجري الركعتان بعده. مجرى سنة المغربِ مِن المغرب، فإنها وِتر النهار، والركعتان بعدها تكميل لها، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل، والله أعلم.) اهـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير