[أحاديث لا تصح في فضل رمضان للشيخ عبد الله السعد حفظه الله]
ـ[أبو حذيفة التونسي]ــــــــ[14 - 08 - 08, 01:40 ص]ـ
الحديث الأول:
حديث سلمان الفارسي t الطويل المشهور، وفيه:
(قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك ... من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ... وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ... من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء).
وهو حديث منكر سنداً ومتناً، ولا يصح ألبتة، ولم أقف على أحدٍ ممن تقدم من أهل العلم أنه صحّحه.
o أما من جهة الإسناد:
فقد جاء منعدة طرق لا يصح منها شيء –سيأتي الكلام عليها وبيان ضعفها- ومداره على:
علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان به مرفوعاً.
والحديث له عدة علل:
1. علي بن زيد بن جدعان البصري: لا يحتج به، وقد تكلم فيه الجمهور لسوء حفظه، وكان يرفع ما يوقفه غيره، قال شعبة: كان رفّاعاً، وقال حماد بن زيد: ثنا علي بن زيد -وكان يقلب الأحاديث-، وفي رواية: يحدثنا اليوم بالحديث ثم يحدثنا غداً، فكأنه ليس ذاك. وله ما يستنكر، وقد اختلط كما قال شعبة.
وكان متقناً للقرآن، صاحب ليل، من فقهاء البصرة، قال ابن حبان: كان شيخاً جليلاً، وكان يهم في الأخبار.
على أن جميع الطرق إلى زيد لا يثبت منها شيء -كما سيأتي-.
2. أنه على ضعفه قد تفرد به عن سعيد بن المسيب، وهذا مما يدل على نكارته.
3. أن سعيد بن المسيب لا يُعرف بالرواية عن سلمان، فلا يُدرى هل سمع منه أم لا؟ [13] وليس له رواية عنه في الكتب الستة. أما في إتحاف المهرة فلم يذكر له عن سلمان غير هذا الحديث، وحديث آخر رواه الدارقطني وهو حديث باطل.
وللحديث عدة طرق:
فقد أخرجه ابن خزيمة (3/ 191 - 192) –وقال فيه: إن صح الخبر [14]- قال: ثنا علي بن حجر السعدي ثنا يوسف بن زياد ثنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان به.
وأخرجه البيهقي في الشعب (3608) من طريق ابن خزيمة، وأخرجه أبو اليُمن ابن عساكر في جزءٍ فيه أحاديث شهر رمضان (7) من طريق البيهقي.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان (41)، وابن شاهين في فضائل رمضان (16)، والبيهقي في الشعب (3608) وفضائل الأوقات (37)، والأصبهاني في الترغيب (1726)؛ من طرقٍ أخرى عن علي بن حجر به.
ورواه أبو الشيخ ابن حيّان في الثواب كما في الترغيب للمنذري.
قلت: وهذا إسناد لا يصح، فيه يوسف بن زياد: والأقرب أنه البصري أبو عبدالله، كان ببغداد وهو ضعيف جداً. قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث.
طريقٌ آخر:
أخرجه الحارث بن أسامة (كما في المطالب العالية 6/ 33) قال: حدثنا عبد الله بن بكر حدثني بعض أصحابنا -رجلٌ يقال له: إياس- رفع الحديث إلى سعيد بن المسيب عن سلمان به.
وأخرجه العقيلي في الضعفاء (1/ 45)، ومن طريقه الخطيب في التاريخ (4/ 333) من طريق: عبد الله بن بكر السهمي قال حدثنا إياس بن أبي إياس عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي به.
وذكره ابن أبي حاتم في العلل (م: 733) قال: سألت أبي عن حديث حدثناه الحسن بن عرفة، عن عبد الله بن بكر السهمي، قال: حدثني إياس، عن علي بن زيد بن جدعان به.
وأخرجه البيهقي في الشعب (3608) من طريق: عبد الله بن بكر السهمي عن إياس بن عبد الغفار عن علي بن زيد بن جدعان به.
قلت: وهذا إسناد لا يصح، قال أبو حاتم الرازي: «هذا حديث منكر؛ غلط فيه عبد الله بن بكر؛ إنما هو: أبان بن أبي عياش، فجعل عبد الله بن بكر (أبان): (إياس)».
وأبان: متروك.
وذهب العقيلي إلى أنه غيره فقال: إياس بن أبي إياس مجهولٌ أيضاً، وحديثه غير محفوظ.
ولذا قال ابن حجر في إتحاف المهرة (5941): «وأما إياس بن عبد الغفار [15] فما عرفته».
ثم قال عقب ذكره الحديث: «قد روي من غير وجهٍ، ليس له طريقٌ ثبتٌ بيّن».
ويعضد قول أبي حاتم أمران:
1. أن إياساً هذا لا يُعرف إلا في هذا الخبر، فاحتمال خطأ عبدالله بن بكر: قائمٌ.
2. أن أبان وابن جدعان بصريان ومتقاربان في الطبقة، فاحتمال رواية أبان عنه قريبة.
غير أنه يجاب عن هذا:
1. أن إياس من شيوخ عبدالله بن بكر-كما في هذا الحديث- فيكون أدرى بحاله، وقد سمّاه: (إياس بن أبي إياس) وفي رواية: (إياس بن عبد الغفار).
¥