وكذلك ما جاء عن جماعة من التابعين: كالحسن البصري أنه قال: " لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما، ولا صلاة، ولا حجة، ولا عمرة، حتى يدعها " انتهى.
رواه الآجري في "الشريعة" (64)، وأبو شامة في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص/16) وغيرهما. وجاء نحوه عن الأوزاعي - كما في "البدع والنهي عنها" لابن وضاح (27) -، وعن الفضيل بن عياض أنه قال: " لا يرفع لصاحب بدعة إلى الله عمل " رواه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (1/ 139)
فقد ذكر الشاطبي احتمالين في تفسير مثل هذه الآثار، فقال في "الاعتصام" (1/ 108 - 112):
" إما أن يراد: أنه لا يقبل له بإطلاق، على أي وجه وقع من وفاق سنة أو خلافها.
وإما أن يراد: أنه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة، دون ما لم يبتدع فيه.
فأما الأول: فيمكن على أحد أوجه ثلاثة:
الأول: أن يكون على ظاهره من أن كل مبتدع أي بدعة كانت فأعماله لا تقبل معها، داخلتها تلك البدعة أم لا، وهذا شديد جدا على أهل الإحداث في الدين.
الثاني: أن تكون بدعته أصلا يتفرع عليه سائر الأعمال: كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق، فإن عامة التكليف مبني عليه.
الوجه الثالث: أن صاحب البدعة في بعض الأمور التعبدية أو غيرها قد يجره اعتقاد بدعته الخاصة إلى التأويل الذي يُصَيِّرُ اعتقاده في الشريعة ضعيفا، وذلك يبطل عليه جميع عمله.
وأما الثاني: وهو أن يراد بعدم القبول لأعمالهم ما ابتدعوا فيه خاصة، فيظهر أيضا، وعليه يدل حديث: (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) " انتهى باختصار.
ولكن التحقيق في هذه المسألة ما ذكره الدكتور إبراهيم الرحيلي في كتابه "موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع" (1/ 292 - 293) حيث قال:
" ما دلت عليه ظواهر النصوص وكلام السلف من أن صاحب البدعة لا يقبل الله له عملا، يمكن حمله على الأوجه التالية:
الوجه الأول: أن الكلام على ظاهره، وأن المراد رد عمل المبتدعِ كلِّه، ما ابتدع فيه وما لم يبتدع فيه، وهذا في حق المبتدع الكافر لا غير.
الوجه الثاني: أن المراد رد العمل المبتدَع خاصة، سواء كان ابتداعا محضا، أو كان شرعيا دخل عليه الابتداع فأفسده.
الوجه الثالث: إحباط البدع أجر العمل على سبيل الجزاء، حتى كأنه لم يقبل.
الوجه الرابع: أن النصوص محمولة على الزجر عن الابتداع والتنفير منه.
والحامل لتوجيه النصوص وكلام السلف هنا هو ما يظهر من معارضة ظواهر هذه النصوص لأصول الشريعة الدالة على قبول عمل المسلم إذا توفر فيه شرطا الإخلاص والمتابعة، دون النظر إلى ما عليه صاحب العمل من ابتداع ومعصية في غيره من الأعمال، إذ لا تأثير لها على قبول ذلك العمل " انتهى باختصار.
والوجه الثالث المذكور هنا، لا ينبغي حمله إلا على بدعة دل الشرع أنها تحبط عمل صاحبها وليست كل بدعة يصح فيها هذا التوجيه.
وقد ذكر أهل العلم شراح الحديث أن المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم في شأن المحدث:
(لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا)
قال القاضي وقيل المعنى لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضا وإن قبلت قبول جزاء وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما
"شرح النووي على مسلم" (9/ 141)
والحاصل أنه تجوز الصلاة خلف المبتدع إذا لم تكن بدعته مكفرة كفرا صريحا، وأن الله سبحانه وتعالى يحاسب الناس على قدر أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islamqa.com/ar/ref/107286
ـ[إسماعيل سعد]ــــــــ[19 - 08 - 08, 07:37 م]ـ
وقد يكون من الاحتمالات التي يحمل عليها الحديث أن عمله هو الشخصي هو الذي يردّ، وليس عمل من لا يقتدي به في تلك البدعة. والله أعلم.