وفي رواية الترمذي (4/ 456) حدثنا محمد بن بشار [بُندار]، حدثنا أبو عاصم به، وفيه: ((يكون في هذه الأمة - أو في أمتي، الشكّ منه - خسف أو مسخ أو قذف في أهل القدر)). قال أبو عيسى: حسن صحيح غريب.
وفي رواية ابن ماجة (5/ 182) حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنّى قالا: حدثنا أبو عاصم به.
وقال المزي في تحفة الأشراف (6/ 92): [وعند أبي داود] في رواية أبي سعيد بن الأعرابي وأبي بكر بن أبي داسه. اهـ يعني من طريق أبي عاصم.
5/ وروى أبو أحمد بن عدي (الكامل 2/ 269) قال: أخبرنا الحسن بن محمد المدني، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سيكون في أمتي مسخ وقذف)) يعني الزنادقة والقدرية. اهـ فيه ابن لهيعة: ضعيف.
حديث آخر:
6/ وهناك أحاديث أخرى هي في حكم الموضوع أعرضنا عنها إلا حديث أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ((تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلها في الجنة إلا فرقة واحدة وهي الزنادقة)). اهـ من طريق الأبرد بن الأشرس، ومعاذ بن ياسين، وكلها ضعيفة جدا أو لا تصح / لسان الميزان (1/ 128 - 129)، الموضوعات لابن الجوزي (1/ 267 - 268)، والكامل لابن عدي (3/ 65).
نقد المتن:
لم يرد لفظ الزندقة في أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام إلا من طريق أبي صخر حميد بن زياد، وقد اضطربت الرواية عنه اضطرابا كبيرا؛ ففي رواية رشدين في المسند ذكر "الزنديقية"، ومن نفس الطريق في جامع الترمذي لم يذكرها؛ وفي رواية ابن وهب في المسند ذكر "الزنديقية والقدرية"، وفي مجمع الزوائد ذكر "أهل الزندقة"؛ وفي روايات سعيد بن أبي أيوب، وحيوة بن شريح لم يذكر إلا "القدرية"، وفي رواية ابن لهيعة اقتصر على طرف الحديث وصرّح بزيادة الرواة للفظي الزنادقة والقدرية.
ويظهر أن لفظ "الزندقة" قد أدرجه أبو صخر؛ فقد انفرد به عن سائر أصحاب نافع، ولم يتابعه فيه أحد، وكذلك لفظ "القدر"؛ وما بالك بأثبت الناس في نافع، إمام دار الهجرة، كان يبغض القدرية بغضا شديدا حتى قال (الانتقاء لابن عبد البر، ص: 34): "ما رأيت أحدا من أهل القدر إلا أهل سخافة وطيش وضعة"، وكان يقول: ما أبين هذه الآية حجة على أهل القدر، وما أشدها عليهم: ((ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين)). اهـ ولم يثبت أن احتج عليهم بحديث ابن عمر لا في الموطأ ولا المدونة ولا العتبية ولا في رسائله لابن وهب، اللهم تلك الغرائب التي رواها إبراهيم بن زيد التفليسي عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: ((صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: القدرية والرافضة))، قال الدارقطني: باطل بهذا الإسناد / ميزان الاعتدال (8/ 80)، لسان الميزان (1/ 62 و2/ 251).
وحديث: ((لُعنت القدرية والمرجئة على لسان اثنين وسبعين نبياً))، قال الدارقطني: رجاله مجهولون، ولا يصح / ميزان الاعتدال (8/ 45 و8/ 167)، ولسان الميزان (4/ 381).
وقال ابن القيم (في حاشيته على سنن أبي داود): "وبدعة القدر أدركت آخر عصر الصحابة، فأنكرها من كان منهم حيا كعبد الله بن عمر وابن عباس وأمثالهما - رضي الله عنهم - وأكثر ما يجيء من ذمهم فإنما هو موقوف على الصحابة".
وعن لفظ "الزندقة" قال شيخ الإسلام: "هو لفظ أعجمي معرّب، أخذ من كلام الفرس بعد ظهور الإسلام وعرّب".
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كلام بالفارسية غير ثلاثةِ أحاديث (التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث، ص: 139):
1 - قوله: ((قوموا فقد جعل لكم جابِر سُور))؛
2 - وقوله للحسن: ((كَخْ كخ))؛
3 - وقوله حكاية عن جبريل عليه السلام: ((لو رأيتَني وأنا آخذُ من حالِ البحرِ، وأدسّ في فمِ فرعون، مخافةَ أن تدركَه الرحمة)). اهـ
فقوله: "سور" يعني به الضيافة؛ وقوله: "كخ" تقال لزجر الصبي عن تناول شيء؛ وقوله: "حال البحر" أي طينه.
الخلاصة: لا يصح حديثٌ في لفظ "الزندقة"، والله أعلم.
ـ[أبو أحمد اليماني]ــــــــ[09 - 07 - 09, 09:38 م]ـ
بارك الله فيك أخي إبراهيم.
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[16 - 07 - 09, 09:06 م]ـ
وفيكم بارك الله أخي المكرّم أبا أحمد