[حكم الحديث]
ـ[أبا محمد المكي]ــــــــ[23 - 06 - 09, 07:41 م]ـ
أيها الفضلاء:
ماهو سبب اختلاف الحكم على الحديث عند المحدثين .. أجد حديثاً صححه فلان وضعفه فلان .. هلو هو راجع إلى اختلافهم في الحكم على رجل من رجال السند، وإن كان كذلك فمن هو المعتمَد في حكمه على الرجال؟
(واسمحوا لي .. طالب مبتدئ)
ـ[ابو محمد الغامدي]ــــــــ[24 - 06 - 09, 02:19 م]ـ
اخي الكريم مكرر
ـ[ابو محمد الغامدي]ــــــــ[24 - 06 - 09, 02:20 م]ـ
اخي الكريم
ينبغي أن يعلم بداية أن التجريح والتعديل لم يكن متاحاً لأي أحد،
وذلك لخطورة الجرح وعظم مسؤوليته أولا ً، فإن الكلام في أعراض الناس والإقدام على الطعن في المسلمين مزلة أقدام، وشفا هلكة، قال ابن دقيق العيد رحمه الله: " أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان المحدثون والحكام ".
والأمر الآخر أن ذلك يتطلب من الأهلية والمُكْنة ما لا يمكن أن يصل إليه إلا القلة من جهابذة النقاد والمحدثين، الذين لديهم اطلاع واسع على الأخبار والمرويات وطرقها، ومعرفة تامة بأحوال الرواة ومقاصدهم وأغراضهم، والأسباب الداعية إلى التساهل والكذب، والموقعة في الوهم والخطأ، مع معرفة بأحوال الراوي وتاريخ ولادته، وبلده، وديانته وأمانته وحفظه وسلوكه، وشيوخه وتلاميذه، ومقارنة مروياته بمرويات غيره إلى غير ذلك، وهي منزلة لا يصل إليها كل أحد، وليس أدلَّ على ذلك من أن رواة الأخبار كثيرون يعدون بالألوف، وأما النقاد الحاذقون فإنهم قليل لا يتجاوزن أصابع اليد في كل طبقة، وهؤلاء الأئمة الذين بلغوا هذه المرتبة لم يبلغوها إلا بعد استيفائهم للشروط التي تؤهلهم للتصدي لهذا الأمر.
وقد قام الأئمة بهذا الواجب حسبة لله، وصيانة لدينه، وحفاظاً على سنة نبيه
، قال أبو بكر بن خلاد ليحي بن سعيد: " أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماؤك عند الله؟ فقال: لأن يكونوا خصمائي أحب إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لِمَ لَمْ تذُبَّ الكذب عن حديثي؟ " فلم يكن الحامل لهم إذاً الأهواء أو الحظوظ النفسية أو غير ذلك من المقاصد السيئة كما زعم المرجفون، ولذلك لم يجاملوا أحداً حتى ولو أقرب الأقربين، فوجدنا منهم من يضعف والده وولده وأخاه، وقد سئل علي بن المديني عن أبيه فقال: اسألوا غيري، فقالوا: سألناك، فأطرق ثم رفع رأسه وقال: " هذا هو الدين أبي ضعيف "، وقال أبو داود صاحب السنن " ابني عبد الله كذاب "، وقال زيد بن أبي أنيسة: " لا تأخذوا عن أخي يحيى "،
وقد وضع العلماء لهذا العلم قواعد وضوابط فتكلموا في شروط قبول الجرح والتعديل، وألفاظهما ومراتبها، وكيف يثبت تعديل الراوي وتجريحه، وما هو العمل إذا تعارض الجرح والتعديل؟ إلى غير ذلك من المباحث والقواعد المبسوطة في كتب المصطلح وعلوم الحديث، والتي تضمن نزاهته وعدم الحيف في الحكم على الرواة.
ومن ذلك أنهم اشترطوا في الجارح أن يكون مجانباً للهوى والعصبية والغرض الفاسد، فلم يعتمدوا أي جرح لا يستند على أصول شرعية بل ردوه على قائله كائناً من كان، ومن ذلك ما جرى بين الأقران والنظراء، لأن فلتات الألسن لا يسلم منها بشر فربما حدث غضب لمن هو من أهل التقوى، قال السبكي: " الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسَّره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه، ومادحوه على ذاميه، ومزَكُّوه على جارحيه، إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه، من تعصب مذهبي، أو منافسة دنيوية، كما يكون بين النظراء أو غير ذلك ".
وأما الزعم بأن الناقد قد يأخذ على الراوي مزحة مزحها فيُجْرح بسببها وترد روايته، فلا يخفى ما في هذا القول من التشويه والتلبيس المتعمد فإن المطالع لكتب الجرح والتعديل يجد أنهم ينصون على ضرورة ذكر سبب الجرح وتفسيره، لأن الجارح ربما قدح بأمر ليس جارحاً في الحقيقة، وقد عقد الخطيب البغدادي - في كتابه الكفاية - باباً في " ذكر بعض أخبار من استُفْسِر في الجرح فذكر ما لا يسقط العدالة "، وأورد عدة أمثلة على ذلك تبين أن مثل هذه الأمور مما لا يقدح في الراوي، ولذلك لم يقبلها العلماء ولم يعولوا عليها.
وأما اختلاف الأئمة في الرواة بين مجُرِّح ومُعَدِّل فمردُّه إلى اختلاف الأنظار، وتباين الاجتهاد في أحوال الرواة حفظاً ونسياناً، ووهماً وضبطاً، كما تختلف اجتهادات المجتهدين في الأحكام الفقهية، والمسائل الفرعية، لأنه دخول وهم الرواي في حيِّز الكثرة أمر لا يوزن بميزان معلوم، وإنما يرجع فيه إلى التحري والاجتهاد.
فالمحدثون يستعملون سائر الشروط المقررة عندهم ولكنهم يتفاوتون في تطبيقها بين متشدد ومعتدل ومتساهل، تبعاً لتطبيق هذه القواعد،
يقول الإمام الذهبي مبيناً أقسام المتكلمين في الرجال، وكيفية التعامل مع أقوالهم:
1 - قسم منهم متشدد في الجرح، متثبت في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث، ويُلَيِّنُ بذلك حديثه، فهذا إذا وثَّق شخصاً فعُضَّ على قوله بناجذيك وتمسك بتوثيقه، وإذا ضعف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه، فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق، فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه: لا يقبل تجريحه إلا مفسراً، يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً: ضعيف، ولم يوضح سبب ضعفه، وغيره قد وثقه، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه، وهو إلى الحسن أقرب، وابن معين وأبو حاتم والجوزجاني متشددون.
2 - وقسم في مقابلة هؤلاء، كأبي عيسى الترمذي، وأبي عبد الله الحاكم وأبي بكر البيهقي متساهلون.
3 - وقسم كالبخاري، وأحمد بن حنبل، وأبي زرعة، وابن عدي معتدلون منصفون ".
وبذلك ندرك أن اختلاف المحدثين ناشئ عن تعدد اجتهاداتهم كما هو الحال بالنسبة للفقهاء، ولكن هذا الاختلاف لا يجوز أن يتخذ وسيلة للادعاء بتعذر الحكم على الرجال، وإضعاف الثقة بمنهجهم، فهم وإن اختلفوا في بعض الأسباب فقد اتفقوا في كثير منها.
منقول بتصرف يسير
¥