ـ[سعيد بن محمد المري]ــــــــ[24 - 06 - 09, 11:58 م]ـ
الحمد لله، إضافة إلى ما ذكره الأخوة أحب أن أشير إلى أن للحديث علة بينها أبو حاتم الرازي رحمة الله عليه، وقبل أن أذكر كلام أبي حاتم أسوق روايات الحديث بشكل مختصر فأقول:
للحديث عن أبي الطفيل طريقان؛
الطريق الأول مشهور، وهو ما أخرجه أصحاب الكتب الستة وغيرهم سوى البخاري والترمذي من حديث جماعة من الثقات منهم؛ (مالك بن أنس وقرة بن خالد وسفيان الثوري وزهير بن معاوية) وغيرهم عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ قال واللفظ لمسلم وألفاظهم جميعاً متقاربة قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا".
وخالف هؤلاء كلهم في لفظ الحديث هشام بن سعد فروى الحديث عن أبي الزبير بذكر جمع التقديم ولفظه كما في سنن أبي داود: "عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر وفي المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما".
والطريق الثاني غريب: وهو ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم من طرق عن قتيبة بن سعيد قال أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب".
فهذا الطريق الثاني أعني طريق قتيبة لم يروه عن الليث عن يزيد إلا قتيبة، وهو بمعنى حديث هشام بن سعد الذي خالف فيه الجماعة عن أبي الزبير.
فكأن قتيبة أراد حديث هشام بن سعد عن أبي الزبير فروى الحديث عن الليث عن يزيد، إما أنه سلك الجادة في جعل شيخ الليث يزيد لأن الليث كثيراً ما يروي عن يزيد، أو دخل له حديث في حديث.
وإذا رجع حديث يزيد بن أبي حبيب إلى كون المراد حديث هشام بن سعد كان الحديث معلولاً، لأن حديث هشام بن سعد ضعيف لمخالفته لرواية الجماعة من حيث اللفظ.
وهذا النوع من التعليل يسمى تعليل الغريب بالمشهور، وهو مثال من أمثلة هذا النوع من التعليل كنت ذكرت في رسالة الدكتوراة أمثلة كثيرة عليه، ولم أذكر هذا الحديث من ضمنها استغناء بأمثلة أخرى.
ويؤيد تعليل حديث قتيبة هذا إضافة - إلى تفرده - قرينتان؛
القرينة الأولى: أن إسناد الحديث نادر، لأن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ لا يوجد منه إلا هذا الحديث، والإسناد النادر لا يقنع فيه عادة إلا بما لا تكتنفه الشكوك.
والقرينة الثانية: أن الليث ممن روى الحديث عن هشام بن سعد، فلو كان الحديث عنده عن يزيد بن أبي حبيب لما رواه عن هشام بن سعد، لأنه يعلو بروايته عن يزيد درجة، وإذا كان الحديث عند المحدث عالياً لم يحدث به نازلاً، وإذا فرض أنه حدث بالإسناد النازل فلن يكون مشهوراً، لأن الإسناد العالي وهو هنا حديث الليث عن يزيد أولى بالشهرة من الإسناد النازل وهو هنا حديث الليث عن هشام عن أبي الزبير، وإنما كان العالي أولى بالشهرة لما سيحصل لتلاميذ الليث من العلو بروايته عن يزيد، وأهل الحديث معروفون بشغفهم في تطلب العوالي من الإسانيد، لاسيما ويزيد بن أبي حبيب من الثقات المشهورين بخلاف هشام بن سعد، فإنه وإن وثقه المتأخرون إلا أنه غير مشهور.
فكأن قتيبة دخل له حديث في حديث، أراد أن يروي حديث الليث عن هشام عن أبي الزبير، فوهم وجعل الحديث عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب.
ولعل ذلك هو مراد أبي حاتم الرازي في تعليله لحديث الليث عن يزيد بحديثه عن هشام بن سعد، فقد قال ابن ابي حاتم في علل الحديث (1/ 91): "سمعت أبي يقول كتبت عن قتيبة حديثا عن الليث بن سعد لم أصبه بمصر عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر فجمع بين الصلاتين، قال أبي: لا أعرفه من حديث يزيد، والذي عندي أنه دخل له حديث في حديث حدثنا أبو صالح قال حدثنا الليث عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث".
ـ[أبو عبيدة التونسي]ــــــــ[25 - 06 - 09, 12:29 ص]ـ
أبا جعفر و سعيد بن محمد المري جزاكما الله خيرا
وهذا النوع من التعليل يسمى تعليل الغريب بالمشهور [/ color]
بارك الله لك في علمك وعمرك