تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد سرت في بحثي على منهج أهل العلم عموما وأهل الحديث خصوصا، فسلكت مسلك المحدثين النقاد في الكلام على الأحاديث وطرقها وعللها على ما هو مقرر في أصول هذا العلم الشريف.

وأسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يوفقني لبيان الحق، وأن يجعل عملي خالصا لوجهه نافعا لخلقه.

تمهيد:

بيان منزلة الصحيحين

وخطر التعدي على أحاديثهما

إن من المسلمات عند المسلمين أن للصحيحين منزلة شريفة عظيمة، وأنهما أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل. وقد تكاثرت نصوص العلماء في بيان هذا المعنى وتقريره.

قال الحميدي المتوفى سنة 488 هـ في مقدمة الجمع بين الصحيحين، وهو يتكلم عن التصنيف في الحديث: "واتصل ذلك إلى زمان الإمامين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسين مسلم ابن الحجاج النيسابوري، فخُصا من الاجتهاد في ذلك، وإنفاذ الوسع فيه، واعتباره في الأمصار والرحلة عنه إلى متباعدات الأقطار، من وراء النهر إلى فسطاط مصر، وانتقاده حرفا حرفا، واختياره سندا سندا، بما وقع اتفاق النقاد من جهابذة الإسناد عليه، والتسليم منهم له. وذلك نتيجة ما رزقا من نهاية الدراية، وإحكام المعرفة بالصناعة، وجودة التمييز لانتقاد الرواية، والبلوغ إلى أعلى المراتب في الاجتهاد، والأمانة في وقتهما، والتجرد لحفظ دين الله الذي ضمن حفظه، وقيض له الحافظين له بالإخلاص لله فيه. وشاهد ذلك ما وضع الله لهما ولهم من القبول في الأرض على ما ورد به النص فيمن أحبه الله تعالى، وأمر أهل السماوات العلى بحبه.

ولما انتهيا من ذلك إلى ما قصداه، وقررا منه ما انتقداه، على تنائيهما في الاستقرار حين الجمع والاعتبار، أخرجا ذلك في هذين الكتابين المنسوبين إليهما، ووسم كل واحد منهما كتابه بالصحيح ولم يتقدمهما إلى ذلك أحد قبلهما، ولا أفصح بهذه التسمية في جميع ما جمعه أحد سواهما فيما علمناه؛ إذ لم يستمر لغيرهما في كل ما أورده، فتبادرت النيات الموفقة على تباعدها من الطوائف المحققة على اختلافها إلى الاستفادة منهما، والتسليم لهما في علمهما، وتمييزهما، وقبول ما شهدا بتصحيحه فيهما، يقينا بصدقهما في النية، وبراءتهما من الإقبال على جهة بحمية، أو الالتفات إلى فئة بعصبية، سوى ما صح عمن أمرنا بالرجوع إليه والتعويل في كل ما أخبرنا به عليه صلى الله عليه وسلم. وحين استقر ذلك وانتشر، وسار مسير الشمس والقمر، أردت تعجيل الفائدة لنفسي ... إلى أن قال:

الصحة لا يستحقها المتن إلا بعدالة الراوي. وشهادة هذين الإمامين أو أحدهما بذلك، وتصحيحهما إياه حكم يلزم قبوله، وتبليغ يتعين الانقياد له، ونذارة يُخاف عاقبة عصيانها، قال تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (2). إلى أن قال: أيقنا أن العلم المقتدى به في الدين، والظهير المحتج به بين المختصمين هو ما صح عمن صحت قواعد أعلامه وأنارت شواهد صدقه في إعلامه: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم نجد من الأئمة الماضين - رضي الله عنهم أجمعين - من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين، وإن كان من سواهما من الأئمة قد أفصح بالتصحيح في بعض، فقد علل في بعض، فوجب البدار إلى الاشتغال بالمجموع المشهور على صحة جميعه " (3).

وقال عبدالحق الإشبيلي في شأن الصحيحين: " قد اشتهرا في الصحة شهرة لا مطعن عليها، وتضمنا من الأخبار ما لجأ الناس في الأكثر إليها، وحسبك من هذين الكتابين أنهما إنما يعرفان بالصحيحين" (4).

وقال ابن الصلاح: "جميع ما حكم مسلم بصحته من هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر. وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه؛ وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع. والذي نختاره أن تلقي الأمة للخبر المنحط عن درجة التواتر بالقبول يوجب العلم النظري بصدقه خلافا لبعض محققي الأصوليين حيث نفى ذلك بناء على أنه لا يفيد في حق كل واحد منهم إلا الظن، وإنما قبله لأنه يجب عليه العمل بالظن، والظن قد يخطىء. وهذا مندفع لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير