معصومة من الخطأ. ثم ذكر قول إمام الحرمين: لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق ولا حنثته؛ لإجماع علماء المسلمين على صحتهما " (5).
وقال النووي: " اتفق العلماء - رحمهم الله - على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول " (6).
وقال النووي أيضا: "اتفق العلماء أن أصح الكتب المصنفة صحيحا البخاري ومسلم، وأجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما " (7).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن الذي اتفق عليه أهل العلم أنه ليس بعد القرآن كتاب أصح من كتاب البخاري ومسلم " (8).
وقال العيني: " اتفق علماء الشرق والغرب على أنه ليس بعد كتاب الله تعالى أصح من صحيحي البخاري ومسلم " (9).
وقال القنوجي: "لأن السلف والخلف جميعا قد أطبقوا على أن أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى صحيح البخاري ثم صحيح مسلم" (10).
وفي ضوء هذا كله لا يقبل أن يأتي أحد في هذا الزمن المتأخر فينتهك مكانة الصحيحين المتفق عليها بين المسلمين جيلا بعد جيل، فيخرج أجزاء في تضعيف أحاديث في الصحيحين؛ ويشيد بمن يفعل ذلك، كهذا المعترض الذي أخرج ذلك الجزء الذي ضعف فيه حديث مسلم، وقال في أوله معللا فعله: " فإن الحافظ مسلم (11) - رحمه الله - أورد في كتابه الصحيح عددا من الأحاديث، أصاب في صحة بعضها، وأخطأ في البعض الآخر فله أجر على اجتهاده في تبيين السنة النبوية. وقد تعقبه الحفاظ كالحافظ ابن عمار ... وقد أعل العلماء غير ما حديث من صحيح مسلم رحمه الله بالانقطاع وغيره، ولم يقل أحد من العلماء بأن هذا فيه طعن في صحيح الحافظ مسلم، كما قال المعترضون الحزبيون دعاة الشهرة المظهرية، ودعاة الفتنة بين المسلمين. ثم ذكر أن على المسلم الحق أن يعمل جادا في البحث، ولا ينظر إلى شهرة الأحاديث والأحكام كصوم يوم عرفة بين المسلمين بدون نظر في هذه الأحاديث هل هي صحيحة أو غير صحيحة، وإن صدرت من العلماء لأنهم بشر، ومن طبيعة البشر يخطئون ويصيبون فافهم هذا ترشد " (12).
وقال المعترض أيضا: " وليس هذه أول علة تذكر في صحيح مسلم المحكوم عليها بالانقطاع والإرسال فتنبه " (13).
وقال المعترض أيضا: "ومن هنا تعرف بأن النظر في بعض أسانيد صحيح الحافظ مسلم يعتبر من التصرف الحسن، إذا كان هذا النظر على أصول أئمة أهل الحديث، ولا يعتبر ذلك مخالفة للإجماع كما يقال؛ لأننا وجدنا الأمر خلاف ذلك، فوجدنا أئمة أهل الحديث قديما وحديثا ينتقدون بعض الأسانيد التي في صحيح مسلم، ولم يعتبروا ذلك طعنا في صحيحه، بل ذلك عين العدل والإنصاف عندهم. ولا نقول كما قال المدعو محمود سعيد المصري (14) في كتابه تنبيه المسلم: (إذا جاء الحديث في صحيح مسلم الذي تلقته الأمة بالقبول، وصححت أحاديثه، فعدم إطلاق الصحة على أسانيده فيه مخالفة للإجماع)، وهذا القول لغو من القول لا قيمة له، ولا معنى على مافيه من إيهام " (15).
وقال المعترض أيضا: " فمن أهل العلم ممن درسوا الكتابين (يعني الصحيحين) دراسة تفهم وتدبر مع نبذ التعصب، وفي حدود القواعد العلمية الحديثية، لا الأهواء الشخصية أو الثقافية الأجنبية عن الإسلام وقواعد علمائه " (16).
والجواب عما ذكره المعترض من وجوه، منها ما يلي:
الوجه الأول: أن المعترض يرى أن مسلما أصاب في بعض أحاديث كتابه، وأخطأ في بعضها، فصحيحه على هذا كسائر الكتب التي لم تلتزم الصحة، وأن على المسلم الحق أن يبحث عن صحة الحديث، ولو كان في صحيح مسلم، وأن عليه ألا ينظر إلى شهرة الأحاديث والأحكام كصوم يوم عرفة بين المسلمين بدون نظر في هذه الأحاديث هل هي صحيحة أو غير صحيحة. فالمعترض لا يراعي مكانة صحيح مسلم المتفق عليها عند علماء الإسلام، ويخالف ما عليه أهل العلم قديما وحديثا من الاستشهاد بأحاديث صحيح مسلم والاحتجاج بها مطلقا دون كلام في صحتها، ولو كانت مما انتقد على مسلم، كما يفعلون مع أحاديث غير الصحيحين من الكتب التي لم تلتزم الصحة.
¥