تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحين غزا محمد علي سورية في النصف الأول من القرن التاسع عشر تجمع السوريون بمختلف عناصرهم، من سُنِّيِّينَ وشِيعِيِّينَ ودُروز ومسيحيينَ على مُقاومَتِهِ، فكان لهذا التجمع أثر كبير في الإحساس بالرابطة الوطنيَّة التي تقوم على المواطنة ولا تقوم على الدين. ومن الحق أنَّ هذه الوحدة لم تدم طويلاً، وأنها قد انهارتْ في الصراع الطائفي الذي دار في أحداث سنة 1860، ولكنها كانت نقطة البدء في الشعور بالوحدة القومية. بل إنَّ أحداث سنة 1860 التي كانت سببًا في انهيار هذه الوحدة هي التي فتحت الطريق أمام الجيل الأول من دعاة الوطنية، الذين ينادون بأنَّ الولاء الديني لا يصلح أساسًا للحياة السياسية. فأصدر بطرس البستاني خلال هذه الأحداث عددا من النشرات شعارها "حب الوطن من الإيمان". وكان نداؤه فيها موجهًا إلى "أبناء الوطن"، وكان يوقعها باسم "محب للوطن" [6] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn6).

ثم أسس في سنة 1863 مدرسة خاصة على أساس وطني – لا على أساس ديني – تدرس فيها اللغة العربية والعلوم الحديثة. وأخذ يدعو إلى اقتباس فكرة الوطنية القومية من أوروبا، وينادي بأن كل الذين يتكلمون العربية، مسلمينَ كانوا أم مسيحيينَ، عرب أولاً وقبل كل شيء. وبذلك كان أوَّل مسيحي يدعو إلى العروبة، ويتكلَّم باعتزاز عن الدم العربي الذي يجري في عروقه [7] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn7).

وفي الوقت نفسه كان هذا الرجل، الذي بدأ حياته بالعمل مع البعثات التبشيرية البروتستنتية وفي القنصليتينِ الإنكليزية والأمريكيَّة، من أنشط العرب في نقل الحضارة الغربية وتطويع اللغة العربية للتعبير عما تضمَّنته من مفاهيم وآراء. فكان من أهم ما اضطلع به من الأعمال إصدار دائرة معارف، حاول ابنه سليم من بعده أن يتمها، فبلغت أحد عشر مجلدًا كبيرًا، وكانت هذه الموسوعة الضخمة تتضمَّن معلومات مختلفة في العلوم الغربية الحديثة؛ كما كانت تحتوي على كثير من أفكار أوروبا وأمريكا العلمانية المتحرِّرة [8] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn8).

حين كان السؤال الذي يشغل بال المسلمين هو: كيف السبيل إلى النهضة والقوة؟ كان السؤال الذي يشغل بال النصارى هو: كيف يضمنون حقوقهم بوصفهم أقلّيَّة في مجتمع إسلامي؟ وحين كان الحلم الذي يراود خيال المسلمين هو استرداد مجدهم القديم، كان الحُلْمُ الَّذي يراود خيال النصارى هو حُرّيَّة التديّن، والمساواة، والتَّسامح، والاحترام المتبَادل بين أبناء الطوائف المختلفة. وهذه كلها قيم ومُثُل يتضمَّنُها الإسلام؛ كما تتضمَّنها العلمانية، ولكن انتشار الثقافات الغربية العلمانية وتدخُّل الدول الغربية من ناحية، وسوء تطبيق المبادئ الإسلامية في أواخر أيام الدولة العثمانية من ناحية أخرى، كان سببًا في تعلق أحلام هذا النفر من المسيحيينَ بالعلمانية [9] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn9)، وفي سعيهم إلى جعل لبنان على وجه الخصوص دولة علمانية على الطراز الأُوروبي، تكفل حقوقًا متساوية لكل المواطنين على اختلاف أدْيانهم، وتشملهم جميعًا في رابطة وطنية واحدة. ولم يكن المسلمونَ في ذلك الوقت على استعداد لقبول هذه المبادئ، كما هو الشأن مع النصارى الذين لم يكن يربطهم بالدولة العثمانية شعور قلبي بالولاء [10] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn10).

كانت هذه الآراء ممثلة أوضح تمثيل في صحيفة (الجنان) التي أصدرها بطرس البستاني سنة 1870، ثم تابع ابنه سليم إصدارها من بعده، حتى توقفت بعد ستة عشر عامًا، بسبب تضييق السلطات العثمانية عليها. وكان من نتائج هذا التضييق تفكير بعض تلاميذ البستاني في الانتقال إلى القاهرة، حيث يتوافر عدد أكبر من القراء، وحرية أكثر في التعبير، وحماية أقوى للآراء التحررية من جانب الاستعمار الإنكليزي، ومن جانب رجال متحررين ذَوِي نفوذ مثل رياض باشا [11] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn11).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير