تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي عام 1886م أقالت الحكومة العثمانية الشيخ طاهرًا من وظيفة التَّفتيش بالمدارس الابتدائية تخوُّفاً من شدَّته في بث أفكاره بين التَّلاميذ والأساتذة، فزاد نشاط الشيخ، وغدا يعمل علناً، وترك التَّدريس في المدرسة الإعدادية في دمشق، وأبى بعدها أن يقبل أيَّ وظيفةٍ حكومية، وظلَّ حتى سفره إلى مصر يدرِّس، ويصنِّف، ويجوب المدن السُّورية داعياً إلى نشر العلم.

2 - حلقة الشيخ طاهر وأصدقاؤه وتلاميذه:

اعتمد الشيخ طاهر أسلوباً جديداً في نشر العلم والدَّعوة إلى الإصلاح، وهو ما يمكن أن يسمى الحلقة أو النَّدوة الفكرية، فكان يجتمع بكبار علماء عصره وأبرز مثقفيه، من الشَّباب الطَّامحين إلى الإصلاح والمتطلِّعين إلى العلم، يتدارسون التَّاريخ والتُّراث الفكري الإسلامي، واللُّغة العربية وآدابها، والقيم والأخلاق الإسلامية، وما يمكن أن يساعد على نهضة الأمة من نتاج الغرب الثقافي والفكري.

وكان لهذه الحلقة اجتماعٌ دائمٌ بعد صلاة الجمعة من كلِّ أسبوع، واستمرَّت في الانعقاد بعد سفر الشيخ إلى مصر سنة 1907م.

وقد عقد الشيخ علاقاتٍ عريضةً مع عددٍ من سياسيِّي وعلماء عصره، فقد كانت تربطه علاقاتٌ طيبةٌ مع ولاة سورية العثمانيين، كما ربطته علاقات صداقةٍ مع عددٍ من علماء دمشق، من أمثال: الشيخ عبد الرزاق البيطار، والشيخ جمال القاسمي، والشيخ سليم البخاري، والشيخ أبو الخير عابدين،والشيخ عبد القادر بدران.

أما طلَّابه فقد ربطته بهم علاقة أبوَّة علمية روحية، وكان على رأسهم: محمد سعيد الباني، ومحمد كرد علي، ومحب الدين الخطيب، وقد أخذ بأيديهم وأحسن توجيههم، وكان له الأثر الأكبر في توجيههم إلى الدَّعوة والإصلاح الاجتماعي، والإقدام على التَّأليف والنَّشر، وتغذيتهم محبَّة الأجداد والكلف بآثارهم والحرص على تراثهم.

ولا يفوتني هنا أن أذكر أن دائرة علاقات الشيخ طاهر قد توسَّعت حتى ضمَّت بعض المستشرقين في زمانه، وكان بينه وبينهم مراسلات، يسألونه عن مسائل وقضايا تتعلَّق بأبحاثهم ودراساتهم عن العالم الإسلامي، لما عرفوا فيه من تبحُّر في دراسة التَّاريخ والحضارة الإسلامية، ومن هؤلاء: المجري غولدزيهر، والألماني هرتن، والإنكليزيان مرجليوث وبراون، والفرنسي كاير موناكو، والإيطالي أغناطيوس جويدي.

3 - أسفار الشيخ طاهر وإقامته في مصر:

كان الشيخ طاهر الجزائري مولعاً بالأسفار، فجاب القرى والمدن السُّورية، وزار لبنان وفلسطين، ومصر، والحجاز، وتركية، وفرنسة، باحثاً عن الفائدة، مفتِّشاً عن الكتب، حريصاً على لقاء العلماء والمتعلِّمين، باذلاً في الوقت نفسه كلَّ ما تحصَّل لديه من علمٍ وخبرة، داعياً إلى كلِّ ما يؤمن به من قيمٍ وأفكار.

وقد سجَّل الشيخ طاهر معظم أخبار رحلاته وأسفاره في كناشاته التي ما زالت مخطوطةً حتَّى الآن، ومحفوظةً في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق.

وفي سنة 1325هـ-1907م قرَّر الشيخ الهجرة إلى مصر، بعد أن أحسَّ بتعذُّر إقامته آمناً في دمشق، لما جرى من تفتيش السُّلطات العثمانية بيته، إذ كانت ترى في دعوته إلى إدخال الإصلاحات السِّياسية والإدارية على أجهزة الدَّولة، أمراً يتنافى مع أمنها واستقرارها.

وبعد أن استقرَّ المقام بالشيخ في مصر، استأنف سيرته الأولى في نشر العلم والدعوة إليه، وعكف على التأليف، فكتب عدداً من المؤلفات، كما شارك في كتابة المقالات في بعض الصُّحف، كجريدة (المؤيَّد) لصاحبها الشيخ علي يوسف.

وقد ارتبط بعلاقات وثيقة مع طلبة العلم من الشوام المهاجرين، أمثال محب الدين الخطيب، ومحمد كرد علي، ورفيق العظم، ومحمود الجزائري، وحقي العظم، ورشيد رضا، وغيرهم.

وقد عرف فضله ومكانته العلمية أركانُ النَّهضة الفكرية في مصر آنذاك من أمثال: الشيخ علي يوسف، وأحمد زكي باشا، وأحمد تيمور باشا.

4 - وفاة الشيخ طاهر الجزائري:

إثر سماعه نبأ دخول الجيوش العربية بقيادة فيصل بن الحسين دمشق سنة 1918م، قررَّ الشيخ العودة إلى مسقط رأسه، ولكن المرض حال بينه وبين ذلك، ولم يستطع السفر إلى دمشق إلا في النصف الثاني من عام 1919م.

وقد عيَّنته الحكومة العربية، بعد عودته، مديراً عاماً لدار الكتب الظَّاهرية، كما قرَّر المجمع العلمي العربي الأول ضمَّ الشيخ إليه عضواً عاملاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير