تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فطلب مني أن أذكر معناهما، فذكرته له. ففرح كثيراً وقال لي: "أنت ينبغي أن تكون طالب علم"، فشجعني على ذلك. وأخذت أدرس على المشايخ. وكان من جملة المشايخ الذين درست عليهم (الشيخ محمد صالح الفرفور) في دمشق. وسمعت على عدة مشايخ في جامع بني أمية الكبير. وأتقنت مهنة الساعات عند الشيخ سعيد الأحمر. وكنت أعمل في مهنة الساعات وأدرس على المشايخ في الصباح بعد صلاة الفجر، وبعد المغرب والعشاء. ثم طلب مني أن أدرس في المدرسة الابتدائية التي تخرجت فيها، ثم درست في المدارس الإعدادية والثانوية القرآن وتجويده والفقه". انتهى كلام الشيخ عن بعض مشايخه.

و أعلى من هؤلاء كلهم أخذه عن علامة الشام و سلفيها الشيخ بهجة البيطار رحمه الله. وقد قال مرةً مؤذن مسجد الدقاق –و هو ممن كان أدرك الشيخ بهجة البيطار– لأحد أصحابنا (لما سأله عن الشيخ بهجة): «من أراد أن ينظر إلى الشيخ بهجة، فلينظر إلى الشيخ عبد القادر. فالشيخ أشبه الناس بسمته!». و هذا –بإذن الله– صِدقٌ و حق. فإن كثيراً من أهل الشام يحكي عن الشيخ بهجة من الخُلُقِ و الهدي ما يشبه ما نراه في العلامة عبد القادر الأرنؤوط حفظه الله.

وكان شيخنا صاحباً للألباني محبا له –كما سيأتي تفصيله– و للشيخ زهير الشاويش و للشيخ شُعَيْب الأرناؤوط. و قد صاحب الشيخ جمعاً من أهل العلم ممن يكبرونه قليلاً أو يصغرونه قليلاً، فاستفاد من صحبتهم. و هكذا طلبة العلم، ينبغي أن يختاروا ثُلَّةً من الأصحاب الذين يتذاكر معهم العلم، و يستخرج بجودة قرائحهم فرائد العلم و دقائقه. فانظر –رعاك الله– أحمد بن حنبل من كان أصحابه و أقرانه: ابن معين و ابن المديني و إسحاق بن راهويه و الحميدي و غيرهم، يذاكر العلم مع تلامذته البخاري و أبي زُرعة و الدّارميّ و ابن وارَة و غيرهم، كيف يكون ذهن و قريحة من هؤلاء أصحابه و جلساؤه؟

أما تلاميذه فإن الشيخ –حفظه الله– يعتبر هؤلاء الذين درسهم طوال هذه السنين هم إخوة له يتدارس معهم العلوم الشرعية.

رحلاته العلمية:

رحل الشيخ إلى بلاد عديدة، ولم يكن يمنعه بُعد المسافة ومشاق السفر عن هدفه السامي في سبيل الدعوة إلى الله تعالى القائل في كتابه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) سورة فصلت. فكانت معظم رحلاته العلمية منحصرة إلى مسقط رأسه «إقليم كوسوفا في يوغسلافيا» وما جاورها من البلاد المتعطشة للإسلام كألبانيا. فآثاره وجهوده لا تنكر، وفضله لا ينسى في تلك البلاد. كما أن الشيخ يتوجه باستمرار إلى بعض البلاد العربية والإسلامية للمشاركة في المؤتمرات وإلقاء المحاضرات والندوات العليمة المفيدة.

سلفيته:

إن من أهم الأسباب التي أدت إلى بعض الخلافات مع علماء عصره هو أن الشيخ –حفظه الله– لا يتبع مذهباً من المذاهب يقلده تقليداً أعمى، وإنما يتبع المذهب الأقوى اعتماداً على الدليل الذي استند إليه صاحب القول أيَّاً كان مذهبه. ويقول الشيخ في مسألة التزام الإنسان مذهباً معيناً: «في المسألة تفصيل: فبالنسبة للعامي لا مذهب له ومذهبه هو مذهب مفتيه، فالتزامه بمذهب يكون أمراً طبيعياً. وطالب العلم الذي في أوّل أمره لا يستطيع أن يمِّيز بين الأقوال الصحيحة والضعيفة، فهو يعمل ضمن ما يسمع من شيخه. أمّا بالنسبة لطالب العلم المتمكّن الذي درس الفقه المقارن، وعرف دليل كل إمام من الأئمة، فإنه عندئذٍ يستطيع أن يميز بين القول الصحيح والضعيف. وأرى أنه في هذه الحالة لا يحق له أن يكون مقلِّداً».

ومن هنا يتضح لنا بأن الشيخ –حفظه الله– لا يلتزم مذهباً معيناً، وإنما يعمل بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، وبما قاله العلماء الجهابذة النقّاد. فهذه طريقته في الفقه: يأخذ بما دل الدليل عليه، غير مقلِّدٍ أحداً من العلماء، إذا اتضح له أن الحق لم يكن حليفه. فهو على هذا من فقهاء المحدِّثين. والشيخ لا يرضى بالتقليد دون معرفة الدليل، حيث يتبع قاعدة الدليل الأقوى معتمداً على أمهات الكتب الفقهية (كالمغني لابن قدامة، والمجموع للنووي، وفتح القدير للكمال بن الهمام وغيرها). فينظر في دليل كل واحد ويأخذ الأقوى منها اعتماداً على تخريج الأحاديث من الكتب المعتمدة كأمثال كتاب نصب الراية للزيلعي،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير