تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: أنني لما كتبت بحثاً في الفقه المقارن وهو "تحقيق المقال في رمي الجمار قبل الزوال " طلبت من شيخي أن يقرأه، ففعل تواضعاً منه – رحمه الله – كلما سألته قال: البحث طيب، فقلت له: أطمع في مقدمه من فضيلتك لهذا البحث قبل طباعته، فقال لي: لا، لكن إذا كتبت في علم الأصول سأفعل إن شاء الله.

وهذا يدل على ورع الشيخ العلمي، فإنه يؤْمِن بالتخصص، وهذا لا يعني أنه ليس بفقيه بل هو فقيه حنفي بارع، وأصولي متين، لكنه يريد أن يستمر طالب العلم في تخصص بحيث يمهر فيه ويتقنه فلا تزل قدمه ولا يضل فهمه ولا يطيش قلمه، ويطبق ذلك على نفسه.

الثاني: أنه اتفق معنا على أن يدرس لنا يوماً آخر غير يوم تدريس الأصول، والمادة المقررة كانت كتاب النكاح من بداية المجتهد لابن رشد، وكان هذا بناء على توجيه ومشورة من الدكتور / أسامة عبد العظيم حمزة، واتفق على هذا الدرس الأخ الفاضل الشيخ / محمد بيضون التميمي، فلما بدأنا في الدرس قرأنا تعريف النكاح فمن ذاهب إلى أنه ملك البضع ومن ذاهب إلى أنه إباحة البضع فقال الشيخ – رحمه الله – وإيه الفرق يعني، هو الزوج لو كان يملك البضع هيأجره، فقلت: شيخنا قد ذكر بعض أهل العلم الثمرة المترتبة على هذا الإختلاف في التعريف، فقالوا: إذا وُطئت المرأة بنكاح فيه شبهة وهي متزوجة، كأن يطأها أجنبي على أنها زوجته فهذا يوجب مهر المثل، فإن قلنا أنه ملك البضع يكون مهر المثل للزوج، وإن قلنا: إنه إباحة البضع فيكون مهر المثل للمرأة، فسكت الشيخ ولم يبد شيئاً، فلما جن علينا الليل اتصل بي وقال لي كرر لي ما ذكرت في الدرس فإني لم أنتبه له، فاعتذرت منه وحاولت عدم الكلام حياءاً وخجلاً، وأنا والله لم أقصد شيئاً، فقال هذا حق فأعده عليَّ فأعدت عليه الكلام فقال جزاك الله خيراً، ثم اعتذر عن الدرس ولم يكمله وأنا لم أفاتحه في سبب توقف الدرس، لكن أظن أن ورع الشيخ وإيمانه بالتخصص هو الذي منعه، وأما أنا فعاتبت نفسي كثيراً على ذلك، قلت: سوء أدبي تسبب في توقف مثل هذا الخير، أسأل الله العافية والمغفرة.

وأما في أمور الدنيا:-

فقد كان الشيخ يتحرز منها جداً، فيحافظ على موعد المحاضرة ويخلص فيها ويتحر الحلال، وأذكر منها أيضاً موقفين:-

الأول: أني زرته في بيته بعد إجازة الصيف، وأخذت معي كيلوان من عسل النحل المصري ولم يرها وتركتها بعد جلوسي معه وخرجت، فما أن وصلت إلى البيت حتى اتصل بي وكلمني وهو مغضب جداً: ما هذا؟ فقلت: هذا شيء يسير وبيني وبين فضيلتكم من الود ما يسمح بذلك، فقال لي: أنا أستاذك في الجامعة أليس كذلك؟ قلت: بلى، قال: وهل يجوز أن يُهدي الطالب لأستاذه؟ قلت: لا، لكن الشبهة أنت بريء منها! قال: لا، فإذا تخرجت من الجامعة فأهدني ما شئت، تعالى الآن فخذ هذا العسل.

الثاني: أنه كان إذا غاب محاضرة في الجامعة أو تأخر عنها يحاول أن يعوض طلبته الوقت قدر طاقته ولا يألو جهداً في ذلك، وكان يصرح لنا بذلك أحياناً ليدفع عن نفسه الشبهة وليبين لنا الطريق الصحيح.

أخلاقه وأدبه وكرمه وتواضعه:

كان شيخنا – رحمه الله – شديد التواضع يعامل جميع من يلقاه ببشاشة الوجه ولين الجانب حتى يشعر العامي إذا عامله أنه عامي مثله، ولا يشعر طالب العلم أن الشيخ يفوقه في شيء، ولا يتسلل إلى نَفْس العَالِم أن الشيخ إمام جِهبِز، وفارس في علمه لا يبارى إنما يعرفه إذا نزل حلبة الميدان ولبس لأمَة أهل العلم التي لها وقتها، وهذه السمة مفقودة في كثير من الناس بل أكثرهم، حتى نجد بعض الطلاب الذين لا يبلغون درجة طالب من طلاب شيخنا يحاولون التزييف على الناس بسمتهم المقفهر الوجه المتقطب الجبين المتشبع بما لم يُعْط من زَعْمِ العلم والعمل والتُقى والوَرَع.

وكان من تواضعه أنه كان يسألني الدعاء، ولا سيما إذا كنت في حج أو عمرة، ثم إذا قلت له أفعل، قال: وماذا ستقول؟ قلت: أقول اللهم اغفر لشيخي ووفقه ونحو ذلك، فيقول لي: ولكن قل: اللهم اغفر لعبدك عمر ...... إلخ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير