تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]، هذه الآية مسوقة في سياق الامتنان، واللباس: هو اللباس الضروري الذي تستر به العورة. والريش: هو اللباس الزائد عن الضروري الذي يتجمل به الإنسان. قال تعالى: ((قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ)) أي: عوراتكم، وسميت العورة سوءة؛ لأن العاقل يسوؤه أن تظهر عورته للناس، فالله يقول في باب الامتنان على عباده: ((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا)) لباساً ضرورياً، ولباساً زائداً تتزينون به، فلما ذكر الله اللباس الحسي ذكر اللباس المعنوي فقال جل وعلا: ((وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)) أي: خير من كل شيء، خير من كل لباس، ولباس التقوى: أن يكون الإنسان مكتسياً بتقوى الرب تبارك وتعالى في قلبه، يخشى الله تبارك وتعالى ويخافه، ويجتنب نواهيه ويأتي أوامره، فهذا هو المؤمن حقاً الذي ارتدى خير لباس: ليس الجمال بمئزر فاعلم وإن رديت برداً إن الجمال معادن ومناقب أورثن حمداً فاللباس الحسي يبلى ويبيد ولا ينفعك في الآخرة، بل تستر به عورتك في الدنيا فقط، أما لباس التقوى فهو الذي عليه معيار العقاب والحساب والثواب يوم القيامة. ثم قال الله: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، (يَا بَنِي آدَمَ) هذا خطاب، ويسمى: نداء علامة، فمتى يسمى النداء نداء كرامة؟ إذا قال الله في القرآن ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)) هذا نداء كرامة، وإذا قال ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) أو ((يَا بَنِي آدَمَ)) فهذا نداء علامة، لأنه يشترك فيه المؤمن والكافر، وإنما علموا بنسبتهم إلى أبيهم. قال: ((يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ)) وهو العدو الأول، ((كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ)) الأبوان هنا: آدم وحواء، وإنما سميا أبوان رغم أن حواء امرأة من باب التغليب، وقد قلنا في دروس عدة مكررة: إن العرب إذا تكلمت عن اثنين وأرادت أن تثني فإنها تغلب، لكن معيار التغليب يختلف من مثنى إلى مثنى، فقالوا في الأبوين: الأبوان، فغلبوا الرجل على المرأة؛ لأن الرجل أفضل من المرأة عموماً، وقالوا في المدينة ومكة: المكتان؛ لأن مكة عند الجمهور أفضل من المدينة، وقالوا في الحسن ( http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=1203&ftp=alam&id=1000088&spid=1203) و الحسين ( http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=1203&ftp=alam&id=1000089&spid=1203) : الحسنان؛ لأن الحسن أكبر، وقالوا في الشمس والقمر: القمران؛ لأن القمر مذكر والشمس مؤنث: وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال فلو كان النساء كمن فقدنا لفضلت النساء على الرجال فهنا قول الله جل وعلا: ((لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا)) لما ذاقا من الشجرة بدت السوءتان لآدم و حواء ( http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=1203&ftp=alam&id=1001303&spid=1203) ، فعلما أنهما وقعا في أمر عظيم. ومن هنا تعلم أن هذا القرآن أنزله الله هداية للناس، فأول طريق للمعاصي هو نزع الحياء من قلب المؤمن، فأول ما أراده إبليس حتى يغوي آدم وزوجته وذريته أن لجأ إلى أول قضية وهي أن يريهما عوراتهما، فإذا كشفت السوءتان في مكان ظاهر، واستمرأ النظر إليها فإن النفس والعياذ بالله يهين عليها ما ترى، فتستمرئ كل الفواحش وتنساق بعد ذلك إلى المعاصي من غير أن تعلم، ولهذا تعلم أن ما صنعه الشيطان قديماً يصنعه شياطين الإنس حديثاً، فأكثر ما يسعى إليه القائمون على القنوات الفاجرة أن يبثوا أشياء تكشف من خلالها العورات حتى تعتاد الأسرة المسلمة أباً وأماً وأحفاداً وأبناءً على النظر إلى تلك العورات، وأن يصبح أمراً بدهياً مستساغاً لدى الأسرة ككل أن تنظر إلى الفواحش

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير