تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا وقد قال الطاهر ابن عاشور في المقدمة العاشرة من تفسيره"ومن أساليبه ما أسميه بالتفنن وهو بداعة تنقلاته من فن إلى فن بطرائق الاعتراض والتنظير والتذييل والإتيان بالمترادفات عند التكرير تجنبا لثقل تكرير الكلم، وكذلك الإكثار من أسلوب الالتفات المعدود من أعظم أساليب التفنن عند بلغاء العربية فهو في القرآن كثير، ثم الرجوع إلى المقصود فيكون السامعون في نشاط متجدد بسماعه وإقبالهم عليه، ومن أبدع أمثلة ذلك قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ. أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:17,20] بحيث كان أكثر أساليب القرآن من الأساليب البديعة العزيز مثلها في شعر العرب وفي نثر بلغائهم من الخطباء وأصحاب بدائه الأجوبة. وفي هذا التفنن والتنقل مناسبات بين المنتقل منه والمنتقل إليه هي في منتهى الرقة والبداعة بحيث لا يشعر سامعه وقارئه بانتقاله إلا عند حصوله. وذلك التفنن مما يعين على استماع السامعين ويدفع سآمة الإطالة عنهم، فأن من أغراض القرآن استكثار أزمان قراءته كما قال تعالى {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: من الآية20] فقوله {مَا تَيَسَّرَ} يقتضي الاستكثار بقدر التيسر، وفي تناسب أقواله وتفنن أغراضه مجلبة لذلك التيسير وعون على التكثير"، وأحب أن أذكر هنا بما نقلته عن الزمخشريمن قبل: "

فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف، للتفنن في البلاغة كما هو عادة بلغاء العرب،

"

ـ[محمد نصيف]ــــــــ[15 Jun 2010, 05:32 ص]ـ

مع ملاحظة أن القرآن نزل بلسان العرب الذين نزل عليهم القرآن، لا بلسانهم بعد ذلك؛ فإذا ثبت أن التفنن من الطرائق التي كانوا يسلكونها فالأصل أن القرآن يجيء بطريقتهم، والله أعلم.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[16 Jun 2010, 11:38 م]ـ

التفنن نفسه باب من أبواب الإعجاز؛ لأنه قد كان يمكن الكافرين أن يقولوا: قد جاء القرآن بالأسلوب الوحيد المعجز فلا نستطيع أن نأتي به إلا أن يكون هو هو، فلما جاء القرآن بالقصة الواحدة بأساليب مختلفة، كان في هذا سدٌ للباب على هذه الحجة الداحضة.

وقد أشار إلى هذا المعنى عدد من أهل العلم كالباقلاني وغيره.

وفي التفنن فوائد أخرى غير ذلك؛ منها أن فيه منعا لتوهم أن أحد الأسلوبين أبلغ من الآخر أو أنه الصحيح دونه.

والله أعلم.

ـ[لطيفة]ــــــــ[17 Jun 2010, 03:52 م]ـ

دعونا نتفق ـ أولا ـ على معنى التفنن وما يقتضيه هذا المعنى ..

فإذا كان التفنن يعني مجرد الحلية الشكلية والتنويع فقط دون مراعاة الجانب المعنوي ..

فيقال في الآيتين السابقتين مثلا: بما أن آية البقرة جاءت بجمع الكثرة فلماذا لا ننوع الصيغ ونأتي في الأعراف بجمع القلة .. ؟!

لنغير وننوع ونتفنن فقط بغض النظر عن السياق وما يقتضيه .. !

يؤتى بجمع القلة في الأعراف .. فقط لأن جمع الكثرة ورد في البقرة .. !

إن كان هذا هو التفنن فهو ـ في نظري ـ عشوائية ننزه القرآن الكريم عنها ..

وإن كان هذا هو التفنن فلنرح الباحثين من البحث في الأغراض البلاغية (لاسيما مايتعلق بالمتشابه اللفظي وبالخروج على خلاف مقتضى الظاهر) ولنعزو كل خروج أو اختلاف إلى التفنن

وإن كان هذا هو التفنن فلتقصر همم الباحثين عن التنقيب في لطائف كلام الله عزوجل وليكتفوا بالتفنن

ثم قد يستساغ القول بالتفنن عند الحديث عن آية واحدة أو سورة واحدة قد يُحتاج معها إلى تنويع .. لكن كيف يستساغ في المتشابه اللفظي الذي تكون فيه الكلمة في سورة والكلمة الثانية في سورة أخرى تفصل بينهما مئات الآيات .. ؟! ما الحاجة إلى التفنن هنا .. ؟!

إن التفنن ـ في رأيي ـ إماتة للأغراض البلاغية .. و تجاهل للسياق ومقتضى الحال ..

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[17 Jun 2010, 03:58 م]ـ

التفنن بهذا المعنى لا أظن أحدا من العقلاء يقول به فضلا عن أهل العلم.

ثم إن مراعاة المعنى لا يلزم منها أن يكون لهذه المراعاة شكل واحد لا يمكن تغييره، كما أن مراعاة مقتضى الحال لا يلزم منه أن التعبير الموافق له تعبير واحد لا ثاني له.

ـ[لطيفة]ــــــــ[20 Jun 2010, 12:38 ص]ـ

إذن .. ما التفنن في رأيك .. ؟

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[20 Jun 2010, 12:50 ص]ـ

كلمة (التفنن) معناها اللغوي هو التنوع في الأساليب أو كما يقول البلاغيون: الجمع للفنين، وهي بهذا المعنى من المهمات التي يراعيها البليغ عادة؛ لأن بعض الناس قد يتأثر بالإطناب دون الإيجاز، وبعضهم بالعكس، وبعض الناس قد يتأثر بألفاظ الفخامة والتهويل، وبعضهم قد يتأثر بألفاظ السهولة والترغيب، وغير ذلك.

فلماذا إذن عند تعريف التفنن نستعمل كلمة (مجرد) ونقول (دون مراعاة الجانب المعنوي)؟

بل إن التفنن نفسه قد يكون من لوازم مراعاة مقتضى الحال.

والإنسان البليغ -وهو مخلوق ضعيف ناقص- يستعمل التفنن في كلامه مع مراعاة الجانب المعنوي أيضا، ولكن هذه المراعاة للجانب المعنوي لا يلزم منها أن يكون الأسلوب مما يستحيل تغييره.

ثم إن مراعاة الجانب المعنوي لا يلزم منها أن تكون متعلقة بسياق القصة فقط، بل قد تتعلق بأمور أخرى؛ لأن الله عز وجل أنزل كتابه ميسرا للذكر، فقد يكون من مقتضيات هذا التيسير أن تكون بعض الآيات طويلة وبعضها قصيرة، وأن تكون بعض السور طويلة وبعضها قصيرة، وأن تتوارد الآيات على معانٍ متوافقة حتى يقف عليها من اقتصر على بعض القرآن، وحتى يُعلم المؤكد منها أقوى من غيره بكثرة التنبيه عليه في آيات متعددة.

وغير ذلك من أوجه النظر قد تظهر للمتأمل، وإنما قلت ما حضرني الآن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير