تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في التّفسير لأنّ مرجع التّفسير كتاب الله، القرآن الكريم، وإنّما هي شكل حديث من علم الكلام الإسلاميّ، وأسلوب جديد في إجراء قياس المتكلّمين المعروف بـ"الاستدلال بالشّاهد على الغائب". فما الّذي أنجزته نظريّة الإعجاز القرآنيّ والتّفسير العلمي للقرآن في خطابها وبخطابها؟

...

إن كان المقصود من الكتاب كتاب الطّبيعة لمّا شبّه غاليلي الطّبيعة بكتاب كُتب بلغة رياضيّة ليس على العالِم إلاّ أن يقرأها، فإنّ هذا الكتاب لم يفرّط في شيء.

أمّا إن كان المقصود من الكتاب هو كتاب الله ذاته فإنّ أصحاب نظريّة الإعجاز القرآنيّ والتّفسير العلمي للقرآن يرون رأيا آخر، وهو أنّ هذا الكتاب هو القرآن. وخطّتهم تتمثّل في الجمع بين خطاب العلم الحديث والخطاب القرآنيّ الدّينيّ. وهذا الجمع قائم على المطابقة كأن يكون القول العلميّ (أ) مطابقا للقول القرآنيّ (ب). ف (أ) = (ب). وفي هذه المعادلة يبدو القول القرآنيّ هو موضوع التّفسير، كأن يبحث أصحاب نظريّة التّفسير العلمي للقرآن "عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجّحت صحّته من نظريات العلوم الكونيّة"، أو يقف أنصار إعجاز القرآن العلميّ على براهين علميّة تثبت الإعجاز القرآنيّ ببيان علميّة القرآن، والبرهنة على أنّ العلم في القرآن سبق كلّ علم حديث (8). فإذا ما أثبتوا بالتّأويل أنّ النّظريّة (س) موجودة سلفا في القرآن بدليل أنّ الآية (ز) هي النّظريّة (س)، أصبحت (ز) هي (س) دون فوارق تذكر ولا حدود مانعة. فالحدود المانعة من الاختلاط بين القول العلميّ والقول القرآني تزول تماما عند أصحاب نظريّة الإعجاز القرآنيّ والتّفسير العلمي للقرآن. ولنا على هذا الخلط بين القولين أمثلة كثيرة نقتصر على واحد فقط. ففي مقالة "عقيدتنا الإيمان بالحداثة والتّقدّم والتّساؤل في نور الله" أوّل الأستاذ محمّد الطّالبي الآية الثّالثة من سورة القارعة على هذا النّحو: "الحمد لربّ العالمين، الّذي من بين العالمين اختار لنا هذا العالم الّذي منذ 15 مليار سنة خلت، فجّرته، بقوله "كُنْ" القارعة الكبرى ( Big Bang)، " وما أدراك ما القارعة" …" (9). ففي هذا المثال، يبدو الخطاب العلميّ هو الموضوع الّذي يبحث له معتنقو نظريّة الإعجاز العلميّ عن معقوليّته في الخطاب القرآنيّ. فالقول العلمي (س)، وهو نظريّة ( Big Bang) العلميّة المفسِّرة لنشأة الكون لا يمكن أن تفهم في هذا التّأويل إلاّ بالقول القرآنيّ (ز)، وهو "وما أدراك ما القارعة"، الآية الّتي تصوّر نهاية العالم. فهي صورة قياميّة apocalyptique ، وهي صورة تفسّر بداية الكون بنهايته. فهل ( Big Bang) هو القارعة؟

لنترك الجواب معلّقا. فما يعنينا من نظريّة الإعجاز العلميّ للقرآن أو نظريّة التّفسير العلمي للقرآن ليس بيان تهافتهما المنطقيّ، ولا سذاجتهما العلميّة، وإنّما بيان استحالة لقاء القول العلميّ الحديث والقول القرآنيّ. فبين القولين قطيعة جوهريّة لا ننزّلها على المستوى الزّماني بين قول قديم وقول حديث فحسب، وإنّما على المستوى التّأويليّ أيضا. فإذا اعتبرنا التّأويل هو تصريف قول في قول، أي ترجمة قول بقول آخر استحالت ترجمة القول العلميّ بالقول القرآنيّ ولا آيات القرآن بلغة العلم. وذلك لأسباب عديدة أبرزها أنّ لغة العلم اليوم هي لغة تقنية اصطناعيّة غير طبيعيّة لا يمكن أن تترجم في لغة التّداول اليوميّ، ولا في اللّغة الشّعريّة الأدبيّة الّتي اعتمدها القرآن في نقل الآيات البيّنات. والسّبب أنّ النّظريّة العلميّة الحديثة لا تصف العالم، وإنّما تعبّر عنه بواسطة طرائق رياضيّة. ففي سنة 1929، قبيل الثّورة الذّريّة الموسومة بانشطار الذّرّة والأمل في غزو الفضاء الكونيّ، طالب ماكس بلانك Max Planck أن تكون النّتائج المتحصّل عليها بواسطة عمليات رياضيّة مترجمة في لغة عالم الحواسّ حتّى تكون ذات فائدة. غير أنّه خلال العقود الّتي انقضت، ومنذ أن سجّلت تلك الكلمات، أضحت هذه التّرجمة غير ممكنة كلّما ازدادت المسافة الفاصلة بين عيان العالم الفيزيائيّ وعالم الحواسّ، وأضحى فقدان الصّلة بينهما واقعا لا يمكن إنكاره، وحقيقة لا ريب فيها. ولا يعني ذلك أنّ نتائج العلم الجديد لا يمكن استخدامها في الاستعمالات العمليّة واليوميّة، وإنّما يعني أنّ هذه النّظريات غير متّصلة بعالم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير