تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المختزل، لا ننظر إلى النّهضة بوصفها خطابا عاجزا عن فهم "الحداثة" و"التّقنيّة"، وإنّما ننظر إليها (أي النّهضة) بوصفها عجزا عن الانتقال من خطاب السّيّد الّذي يمثّله (الميراث الكلامي اللاّهوتيّ الدّينيّ…) إلى خطاب الجامعة (العلم) الّذي مثّلته حملة نابليون بونابرت بتقنياتها الحربيّة ومؤسّساتها العلميّة الحديثة. فالنّهضة هي هذا العجز عن الانتقال من خطاب إلى خطاب: من خطاب السّيّد إلى خطاب الجامعة (العلم) الّذي اكتسح كلّ المؤسّسات في الأزمنة الحديثة رغم ما عرفه في أحداث ماي 68 من أزمة حادّة.

إذا اعتبرنا خطاب الجامعة (العلم)، الّذي كانت حملة نابليون مؤسّسته وتقنيته، حدثا ثوريّا أصاب الرّابط الاجتماعيّ العربيّ الإسلاميّ في الصّميم لمّا كشف تخلّف إدراك العرب المسلمين للعالم على نحو تجلّى في دهشة المثقّفين المسلمين اللاّهوتيّة، فإنّ خطاب السّيد قد جسّمه مثقّفو النّهضة في خطاباتهم المختلفة، الّتي كانت تجتهد في إعادة المياه إلى مجاريها، وذلك بقراءة واقع "الحداثة" الجديد بمفردات تستمدّ مراجعها من الأرشيف الإسلاميّ الكلاسيكيّ لإعادة تأسيس الرّابط الاجتماعيّ الّذي زلزلته صدمة الحداثة. ومن الأمثلة الدّالة على المحاولات الّتي أجراها ممثّلو خطاب السّيّد للهيمنة على خطاب الجامعة (العلم) اعتبار الحداثة عند محمد عبده "ظاهرة دهريّة" وتأويلها بوصفها بدعة (19). وهو بهذا الصّنيع يزجّ بواقعة الحداثة وتجربتها في أفق انتظار قديم لاهوتيّ يستمدّ عباراته من علم الكلام وأصول الدّين.

ألا ينبغي أن نعتبر، من هذا المنظور، الإعجاز العلميّ للقرآن أو التّفسير العلمي للقرآن امتدادا لتلك المحاولات الأولى لترجمة خطاب الجامعة (العلم) في خطاب السّيّد، وتسجيل خطاب المباحث العلميّة واحتواء نتائجها في حدود الأهداف الّتي تضبطها المؤسّسات الدّينيّة؟ ولنا على أشكال الاحتواء نماذج حيّة تمثّلت في بعض ما نشر في "شبكة التّفسير والدّراسات القرآنيّة" حيث اشترط بعض من كتب فيها بعض الشّروط لقبول "الأبحاث في التّفسير والإعجاز العلميّ"، ضبطها كما يلي:

"إنّ كتابة الأبحاث في التّفسير والإعجاز العلميّ غالباً ما تكون على طريقتين:

*أن يخطر للباحث المختصّ بالعلوم الشّرعيّة وبالأخصّ التّفسير وعلوم القرآن سؤالات يثيرها النَّظْم القرآني حول قضايا كونيّة، ففي هذه الحالة من الواجب عليه أن يرجع لأهل التّخصّص في العلم الّذي يريد البحث فيه، وأن يتابع معه أحدث ما قيل في هذا العلم. **أن يكون الباحث مختصًّا في علم من العلوم الكونيّة الأخرى، وقد عرض له أثناء تدبّره لكتاب الله تعالى قضايا تعلّمها من سابق أو مسائل علميّة يتحدّث بها المختصّون في علمه، وقد وجد ملامح ودلالات ذلك في القرآن الكريم. ففي هذه الحالة عليه تسجيل ملاحظاته، ومواطن الاستنتاج الّذي خرج به، ثم يعرض ذلك على أهل التّخصّص الشّرعيّ في التّفسير وأصول الاستنباط، والله أعلم." (20).

لا يحتاج هذا المثال إلى تعليق لأنّه من جنس المحاولات الّتي مافتئت تترجم عجز المؤسّسات الدّينيّة الحديثة عن صدّ الثّورات العلميّة ولقدّمها الّذي لا يعرف التّوقّف، واحتوائها بواسطة قواعد التّفسير القرآنيّ، أي بإضفاء وجه إنسانيّ أو إلهيّ على هذا اللاّمحدود الّذي مافتئ العلم الحديث يوغل في اكتشاف أبعاده الهائلة.


الهوامش:

1 - ابن عربي، محيي الدّين: فصوص الحكم. تعليقات أبو العلا عفيفي. دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، د. ت، ص. ص48 - 49
2 - ابن عربي، محيي الدّين: فصوص الحكم، م. م، ص53.
3 - الرّازي، فخر الدّين: تفسير الفخر الرّازي المشتهر بالتّفسير الكبير ومفاتيح الغيب. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (د. ت)، المجلّد13، الجزء25، ص. ص157 - 159.
4 - الجاحظ، أبو عثمان: كتاب الحيوان. 8 أجزاء، تحقيق وشرح عبد السّلام محمّد هارون، دار الجيل بيروت، 1988، ج1، ص. ص209ـ210.
5 - الجاحظ، كتاب الحيوان، ج1،ص207 - 209.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير