تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بيّن الله لنا موقف ذو القرنين حين بلغ مغرب الشمس , ووجد عندها قوما يعيشون هنالك , وهوأنه ما كان منه بعد أن بلغ مابلغ من المنزلة والمكانة العالية إلا أن أقام فيهم دين الله تعالى وحاكمهم إلى شرعه ومنهجه , ومكّن لدين الله تعالى بينهم , وهو بهذا يرسم لنا منهجاً في الغاية من اجتهاده ومجاهدته , وهو أنه ما كان يهدف لتحقيق ذاته , ويلهث وراء شهواته .. إنما كان يرنو إلى أمر أسمى من ذلك و أرقى , وهو إقامة دين الله تعالى والتمكين له , فهل يا تُرى! يمتلك كل فرد منا كذلك منهجاً واضحاً ورسالةً جليّة , وأخلاق فاضلة راقية , يبلغها العالم من ورائه إذا وصل إلى مراتب عالية وشهرة عالمية , كما فعل ذو القرنين ... ؟

يقول ابن تيمية: (فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبيناً، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا., وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم).

وقال القاسمي: " ومن فوائد القصة:الاعتبار بتخليد جميل الثناء , وجليل الآثار , فإن من أمعن النظر فيما قُص عنه في هذه الآيات الكريمة , يتضح له جليا حُسنَ سجاياه ,وسموَّ مزاياه , من الشجاعة وعلو الهمة والعفة والعدل , ودأَبه على توطيد الأمن وإثابة المحسنين , وتأديبه للظالمين , والإحسان إلى النوع البشري .. "

الوقفة الخامسة: تكررت لفظةٌ واحدةٌ "خمسَ مرات" على لسان ذي القرنين في قصته التي جاءت في صفحة واحدة من صفحات القرآن , وهذا يعكس لنا شيئاً من نفسيّته وروحه , ولغته التي يتعامل بها وحقيقة واقعه , أَدخل تلك الكلمة في سياقات متنوعة , وقالها في مواطن مختلفة , ألا وهي كلمة "ربِّي" , ليُشعر بعبوديتهِ التامةِ لله تعالى وافتقاره إليه , وأنه هو وحده مربيه و المنعمِ عليه وهو الذي منحه تلك المنزلة الرفيعة , وبلغه إياها.

قالها حينما حكم أهل المغرب فأوحى إليهم بها أنه عبدٌ مطيعٌ لأمر سيده , فقال:"ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا" , ثم قالها في موطن عز وشرف حين ارتفعت الأعناق إليه طالبين إليه بناء السد فقال: "ما مكني فيه ربي خير"

وبعد أن أتم مشروعه وأكمل بناء السد , والنفوس كلها ممتنةٌ له مسرورةٌ بخدمته ونجاح خطواته , أرجع الفضل كله في ذلك إلى الله تعالى وعدّه من شواهد رحمة الله تعالى , ليربط القلوب بالله: "قال هذا رحمة من ربي " مستغلاً لحظات النجاح تلك في تعبيد الخلق لله تعالى , وتلك هي الغاية العليا لتفوقنا ونجاحنا وتصدرنا , إن كنا نعي دورنا حقا ...

قال القاسمي رحمه الله: " ومن فوائد القصة: الإعلام بالدور الأخرويّ , وانقضاء هذا الطور الأوليّ , لتبقى النفوس طامحة إلى ذلك العالم الباقي والنعيم السرمدي ولذا قال " فإذا جاء وعد ربي ".

إننا بحاجة دائما لأن نتذكر أننا مهما بلغنا في العلم والمجد والعلو مبلغاً رفيعا , فإننا لا نخرج عن طور عبوديتنا لله تعالى والافتقار إليه , بل ما كان ذلك لنا إلا بتوفيق الله ومعونته ورحمته "هذا رحمة من ربي " , وكلما زاد العبد رفعة ونجاحا .. ازدادت مِنّة الله عليه , فازداد انكساراً وذلةً لله تعالى وعبَّد النفوس معه لله تعالى , وهي علاقة مطردة متى ما اختلت خُشي على ذلك المرء أن يكون قد استُدرج عياذاً بالله.

قال ابن القيم رحمه الله:" من أخص خصائص العبودية: الافتقار المطلق لله تعالى فهو حقيقة العبودية ولبُّها ".

وقال رحمه الله: " إن مقام العبودية هو بتكميل مقام الذل و الانقياد, و أكمل الخلق عبوديةً , أكملهم ذلاً لله وانقياداً وطاعة .. "

الوقفة السادسة: حين اشتكى مَن بَين السدين فقالوا "يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ... " سارع ذو القرنين إلى نجدتهم ومعونتهم , وكشف الغمة عنهم , وأسكن لوعتهم وأَمّنَهم , ولم يأخذ على ذلك عِوضا , وأقام السد وبناه بإتقان و دقة "فما اسطاعو أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ".

بهذا عبّر ذو القرنين عن أمر آخر سعى لأجله , وتحقق على يديه ,وهو تحقيق الأمن والاستقرار , وقضاء حوائج الناس ومطالبهم , ليعلمنا نحن أهلَ الإسلام وأصحابَ الدين الحق أننا مسئولون عن تأمين أهل الأرض ودفع الشرور عنهم , وتحقيق السلام والأمن للبشرية جمعاء , وأنا نحن وليس غيرنا من يقود سفينة البشرية إلى بر الأمان والسعادة في الدنيا ثم في الآخرة.

فهل أمتنا اليوم من يقوم بهذا الدور حقا؟ وهل تجهَّزَت واستعدَّت لتقوم بهذه المهمة المنوطة بها؟ وهل أعدت رجالها لقيادة البشرية؟ ولِأن يكونوا مفزعاً لأهل الأرض , وملجأ للخائف والمنكوب من المجتمعات ..

" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملو الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً"

ـ[أحمد القضاة]ــــــــ[17 Jun 2010, 09:32 م]ـ

الأخ الفاضل عمر جمال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكرك على هذه الفوائد واللطائف المستنبطة من قصة ذي القرنين عليه سلام الله

وأود أن أشير إلى بعض الملحوظات:

أولاًـ ذو القرنين عبد صالحٌ مؤمنٌ، وقد يكون نبياً أو رسولاً، أما الإسكندر المقدوني فكان وثنياً مشركاً يعبد آلهةً متعددة.

ثانياًـ لم يرد في القرآن الكريم ولا فيما تصح من السنة تحديد هوية ذي القرنين، ورغم ذلك اجتهد بعض العلماء والباحثين في

تحديد هويته حيث يرى المودودي أنه الملك قورش الفارسي، ويذهب صلاح الدين عرفة إلى أن ذا القرنين هو النبي سليمان عليه الصلاة والسلام، ويذهب أحد الباحثين السعوديين إلى أنه الملك (أمنحوتب الرابع) الذي ملك مصر بعد غرق أبيه فرعون مصر

الذي طارد بني إسرائيل.

ويقيم كل منهم الأدلة التي رجحت ما ذهب إليه

ولعلي أعرض هذه الأدلة في وقت لاحق.

ثانياً ـ إن القوم بين السدين طلبوا من ذي القرنين أن يبني لهم سداً، لكنه رأى أن الأفضل أن يبني لهم ردماً

والفرق أن السد جدارٌ واحدٌ متصل مرتفع، أما الردم فهو مكون من جدارين مرتفعين، يُردم ما بينهما بالأتربة والرمال

والمعادن ..

أرجو أن أعود للتعليق على هذا الموضوع بشكل موسع

وشكراً جزيلاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير